اللَّيْثِيُّ قَبْلَ الْفَتْحِ، فَلَقِيَهُمْ عَامِرُ بْنُ الْأَضْبَطِ الْأَشْجَعِيُّ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ وَمَعَهُ مَتَاعُهُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ، فَأَمْسَكُوا عَنْهُ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ مُحَلِّمُ بْنُ جَثَّامَةَ لِشَيْءٍ كَانَ بَيْنَهُمَا، فَقَتَلَهُ وَأَخَذَ بِعِيرَهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَنَزَلَ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} [النساء: ٩٤] ، الْآيَةَ.
وَقِيلَ: كَانَتْ هَذِهِ السَّرِيَّةُ حِينَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ.
[ذِكْرُ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ]
كَانَ يَنْبَغِي أَنْ نُقَدِّمَ هَذِهِ الْغَزْوَةَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا أَخَّرْنَاهَا لِتَتَّصِلَ الْغَزَوَاتُ الْعَظِيمَةُ، فَيَتْلُوَ بَعْضُهَا بَعْضًا.
وَكَانَتْ فِي جُمَادَى الْأُولَى مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ، وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، وَقَالَ: «إِنْ أُصِيبَ زَيْدٌ فَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» . فَقَالَ جَعْفَرٌ: مَا كُنْتُ أَذْهَبُ أَنْ تَسْتَعْمِلَ عَلَيَّ زَيْدًا، فَقَالَ: امْضِ؛ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَيُّ ذَلِكَ خَيْرٌ. فَبَكَى النَّاسُ وَقَالُوا: هَلَّا مَتَّعْتَنَا بِهِمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَأَمْسَكَ، وَكَانَ إِذَا قَالَ: فَإِنْ أُصِيبَ فُلَانٌ فَالْأَمِيرُ فُلَانٌ - أُصِيبَ كُلُّ مَنْ ذَكَرَهُ.
فَتَجَهَّزَ النَّاسُ، وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ، وَوَدَّعَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّاسُ. فَلَمَّا وَدَّعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ بَكَى عَبْدُ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ النَّاسُ: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: مَا بِي حُبُّ الدُّنْيَا وَلَا صَبَابَةٌ بِكُمْ، وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ آيَةً، وَهِيَ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مريم: ٧١] فَلَسْتُ أَدْرِي كَيْفَ لِي بِالصَّدْرِ بَعْدَ الْوُرُودِ؟ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: صَحِبَكُمُ اللَّهُ، وَرَدَّكُمْ إِلَيْنَا سَالِمِينَ.
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ:
لَكِنَّنِي أَسْأَلُ الرَّحْمَنَ مَغْفِرَةً ... وَضَرْبَةً ذَاتَ فَرْغٍ تَقْذِفُ الزَّبَدَا
أَوْ طَعْنَةً بِيَدَيْ حَرَّانِ مُجْهِزَةً ... بِحَرْبَةٍ تَنْفُذُ الْأَحْشَاءَ وَالْكَبِدَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute