للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَتَّى يَقُولُوا إِذَا مَرُّوا عَلَى جَدَثِي

أَرْشَدَكَ اللَّهُ مِنْ غَازٍ وَقَدْ رَشَدَا

فَلَمَّا وَدَّعَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَادَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: خَلَفَ السَّلَامُ عَلَى امْرِئٍ وَدَّعْتُهُ فِي النَّخْلِ خَيْرَ مُشَيَّعٍ وَخَلِيلِ

ثُمَّ سَارُوا حَتَّى نَزَلُوا مُعَانَ، فَبَلَغَهُمْ أَنَّ هِرَقْلَ سَارَ إِلَيْهِمْ فِي مِائَةِ أَلْفٍ مِنَ الرُّومِ، وَمِائَةِ أَلْفٍ مِنَ الْمُسْتَعْرِبَةِ، مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامَ وَبُلْقِينَ وَبَلِيٍّ، عَلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنْ بَلِيٍّ يُقَالُ لَهُ: مَالِكُ بْنُ رَافِلَةَ، وَنَزَلُوا مَآبَ مِنْ أَرْضِ الْبَلْقَاءِ، فَأَقَامَ الْمُسْلِمُونَ بِمُعَانَ لَيْلَتَيْنِ يَنْظُرُونَ فِي أَمْرِهِمْ، وَقَالُوا: نَكْتُبُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُخْبِرُهُ الْخَبَرَ وَنَنْتَظِرُ أَمْرَهُ، فَشَجَّعَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَقَالَ: يَا قَوْمِ وَاللَّهِ إِنَّ الَّذِي تَكْرَهُونَ لَلَّذِي خَرَجْتُمْ تَطْلُبُونَ الشَّهَادَةَ، وَمَا نُقَاتِلُ النَّاسَ بِعَدَدٍ وَلَا قُوَّةٍ، وَلَا نُقَاتِلُهُمْ إِلَّا بِهَذَا الدِّينِ، فَانْطَلِقُوا فَمَا هِيَ إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ. فَقَالَ النَّاسُ: صَدَقَ وَاللَّهِ، وَسَارُوا، وَسَمِعَهُ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ - وَكَانَ يَتِيمًا فِي حِجْرِهِ، وَقَدْ أَرْدَفَهُ فِي مَسِيرِهِ ذَلِكَ عَلَى حَقِيبَتِهِ - وَهُوَ يَقُولُ:

إِذَا أَدَّيْتِنِي وَحَمَلْتِ رَحْلِي ... مَسِيرَةَ أَرْبَعٍ بَعْدَ الْحِسَاءِ

فَشَأْنُكِ فَانْعَمِي وَخَلَاكِ ذَمٌّ ... وَلَا أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي وَرَائِي

وَجَاءَ الْمُسْلِمُونَ وَغَادَرُونِي ... بِأَرْضِ الشَّامِ مُشْتَهِيَ الثَّوَاءِ

وَرَدَّكِ كُلُّ ذِي نَسَبٍ قَرِيبٍ ... مِنَ الرَّحْمَنِ مُنْقَطِعِ الْإِخَاءِ

هُنَالِكَ لَا أُبَالِي طَلْعَ بَعْلٍ ... وَلَا نَخْلٍ أَسَافِلُهَا رِوَاءِ

فَلَمَّا سَمِعَهَا زَيْدٌ بَكَى، فَخَفَقَهُ بِالدِّرَّةِ وَقَالَ: مَا عَلَيْكَ يَا لُكَعُ! يَرْزُقُنِي اللَّهُ الشَّهَادَةَ، وَتَرْجِعُ بَيْنَ شُعْبَتَيِ الرَّحْلِ؟ ثُمَّ سَارُوا، فَالْتَقَتْهُمْ جُمُوعُ الرُّومِ وَالْعَرَبِ بِقَرْيَةٍ مِنَ الْبَلْقَاءِ يُقَالُ لَهَا: مَشَارِفُ، وَانْحَازَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا: مُؤْتَةُ، فَالْتَقَى النَّاسُ عِنْدَهَا، وَكَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>