[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَتِسْعِينَ]
٩٦ -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَتِسْعِينَ
ذِكْرُ فَتَحِ قُتَيْبَةَ مَدِينَةَ كَاشْغَرَ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ غَزَا قُتَيْبَةُ كَاشْغَرَ، فَسَارَ وَحَمَلَ مَعَ النَّاسِ عِيَالَاتِهِمْ لِيَضَعَهُمْ بِسَمَرْقَنْدَ، فَلَمَّا عَبَرَ النَّهْرَ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى مَعْبَرِ النَّهْرِ لِيَمْنَعَ مَنْ يَرْجِعُ إِلَّا بِجَوَازٍ مِنْهُ، وَمَضَى إِلَى فَرْغَانَةَ، وَأَرْسَلَ إِلَى شِعْبِ عِصَامٍ مَنْ يُسَهِّلُ الطَّرِيقَ إِلَى كَاشْغَرَ، وَهِيَ أَدْنَى مَدَائِنِ الصِّينِ، وَبَعَثَ جَيْشًا مَعَ كَبِيرِ بْنِ فُلَانٍ إِلَى كَاشْغَرَ، فَغَنِمَ وَسَبَى سَبْيًا، فَخَتَمَ أَعْنَاقَهُمْ، وَأَوْغَلَ حَتَّى بَلَغَ قَرِيبَ الصِّينِ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ مَلِكُ الصِّينِ: أَنِ ابْعَثْ إِلَيَّ رَجُلًا شَرِيفًا يُخْبِرُنِي عَنْكُمْ وَعَنْ دِينِكُمْ. فَانْتَخَبَ قُتَيْبَةُ عَشَرَةً لَهُمْ جَمَالٌ وَأَلْسُنٌ وَبَأْسٌ وَعَقْلٌ وَصَلَاحٌ، فَأَمَرَ لَهُمْ بِعُدَّةٍ حَسَنَةٍ وَمَتَاعٍ حَسَنٍ مِنَ الْخَزِّ وَالْوَشْيِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَخُيُولٍ حَسَنَةٍ، وَكَانَ مِنْهُمْ هُبَيْرَةُ بْنُ مُشَمْرَجٍ الْكِلَابِيُّ، فَقَالَ لَهُمْ: إِذَا دَخَلْتُمْ عَلَيْهِ، فَأَعْلِمُوهُ أَنِّي قَدْ حَلَفْتُ أَنِّي لَا أَنْصَرِفُ حَتَّى أَطَأَ بِلَادَهُمْ، وَأَخْتِمَ مُلُوكَهُمْ وَأَجْبِيَ خَرَاجَهُمْ.
فَسَارُوا وَعَلَيْهِمْ هُبَيْرَةُ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَيْهِمْ دَعَاهُمْ مَلِكُ الصِّينِ، فَلَبِسُوا ثِيَابًا بَيَاضًا تَحْتَهَا الْغَلَائِلُ، وَتَطَيَّبُوا وَلَبِسُوا النِّعَالَ وَالْأَرْدِيَةَ، وَدَخَلُوا عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ عُظَمَاءُ قَوْمِهِ، فَجَلَسُوا، فَلَمْ يُكَلِّمْهُمُ الْمَلِكُ وَلَا أَحَدٌ مِمَّنْ عِنْدَهُ، فَنَهَضُوا. فَقَالَ الْمَلِكُ لِمَنْ حَضَرَهُ: كَيْفَ رَأَيْتُمْ هَؤُلَاءِ؟ فَقَالُوا: رَأَيْنَا قَوْمًا مَا هُمْ إِلَّا نِسَاءٌ، مَا بَقِيَ مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا انْتَشَرَ مَا عِنْدَهُ.
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ دَعَاهُمْ، فَلَبِسُوا الْوَشْيَ وَالْعَمَائِمَ الْخَزَّ وَالْمَطَارِفَ، وَغَدَوْا عَلَيْهِ، فَلَمَّا دَخَلُوا قِيلَ لَهُمْ: ارْجِعُوا، وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: كَيْفَ رَأَيْتُمْ هَذِهِ الْهَيْئَةَ؟ قَالُوا: هَذِهِ أَشْبَهُ بِهَيْئَةِ الرِّجَالِ مِنْ تِلْكَ. فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ دَعَاهُمْ، فَشَدُّوا سِلَاحَهُمْ وَلَبِسُوا الْبَيْضَ وَالْمَغَافِرَ، وَأَخَذُوا السُّيُوفَ وَالرِّمَاحَ وَالْقِسِيَّ وَرَكِبُوا. فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ مَلِكُ الصِّينِ فَرَأَى مِثْلَ الْجَبَلِ، فَلَمَّا دَنَوْا رَكَزُوا رِمَاحَهُمْ وَأَقْبَلُوا مُشَمِّرِينَ، فَقِيلَ لَهُمْ: ارْجِعُوا، فَرَكِبُوا خُيُولَهُمْ وَأَخَذُوا رِمَاحَهُمْ وَدَفَعُوا خَيْلَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَتَطَارَدُونَ. فَقَالَ الْمَلِكُ لِأَصْحَابِهِ: كَيْفَ تَرَوْنَهُمْ؟ قَالُوا: مَا رَأَيْنَا مِثْلَ هَؤُلَاءِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute