للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَثَمَانِينَ]

٨٦ -

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَثَمَانِينَ

ذِكْرُ وَفَاةِ عَبْدِ الْمَلِكِ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ مُنْتَصَفَ شَوَّالٍ، وَكَانَ يَقُولُ: أَخَافُ الْمَوْتَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فِيهِ وُلِدْتُ، وَفِيهِ فُطِمْتُ، وَفِيهِ جَمَعْتُ الْقُرْآنَ، وَفِيهِ بَايَعَ لِي النَّاسُ. فَمَاتَ لِلنِّصْفِ مِنْ شَوَّالٍ حِينَ أَمِنَ الْمَوْتَ فِي نَفْسِهِ. وَكَانَ عُمُرُهُ سِتِّينَ سَنَةً، وَقِيلَ: ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سَنَةً، وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ مِنْ لَدُنْ قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إِلَّا سَبْعَ لَيَالٍ، وَقِيلَ: وَثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا.

وَلَمَّا اشْتَدَّ مَرَضُهُ قَالَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ: إِنْ شَرِبَ الْمَاءَ مَاتَ. فَاشْتَدَّ عَطَشُهُ فَقَالَ: يَا وَلِيدُ، اسْقِنِي مَاءً. قَالَ: لَا أُعِينُ عَلَيْكَ. فَقَالَ لِابْنَتِهِ فَاطِمَةَ: اسْقِينِي مَاءً. فَمَنَعَهَا الْوَلِيدُ. فَقَالَ: لَتَدَعَنَّهَا أَوْ لَأَخْلَعَنَّكَ. فَقَالَ: لَمْ يَبْقَ بَعْدَ هَذَا شَيْءٌ، فَسَقَتْهُ فَمَاتَ. وَدَخَلَ الْوَلِيدُ عَلَيْهِ وَابْنَتُهُ فَاطِمَةُ عِنْدَ رَأْسِهِ تَبْكِي فَقَالَ: كَيْفَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: هُوَ أَصْلَحُ. فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَمُسْتَخْبِرٌ عَنَّا يُرِيدُ لَنَا الرَّدَى وَمُسْتَخْبِرَاتٌ وَالدُّمُوعُ سَوَاجِمُ

وَأَوْصَى بَنِيهِ فَقَالَ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، فَإِنَّهَا أَزْيَنُ حِلْيَةٍ وَأَحْصَنُ كَهْفٍ، لِيَعْطِفِ الْكَبِيرُ مِنْكُمْ عَلَى الصَّغِيرِ، وَلْيَعْرِفِ الصَّغِيرُ حَقَّ الْكَبِيرِ، وَانْظُرُوا مَسْلَمَةَ فَاصْدُرُوا عَنْ رَأْيِهِ، فَإِنَّهُ نَابُكُمُ الَّذِي عَنْهُ تَفْتَرُّونَ، وَمَجَنُّكُمُ الَّذِي عَنْهُ تَرْمُونَ، فَأَكْرِمُوا الْحَجَّاجَ، فَإِنَّهُ الَّذِي وَطَّأَ لَكُمُ الْمَنَابِرَ، وَدَوَّخَ لَكُمُ الْبِلَادَ، وَأَذَلَّ الْأَعْدَاءَ، وَكُونُوا بَنِي أُمٍّ بَرَرَةً لَا تَدِبُّ بَيْنَكُمُ الْعَقَارِبُ، وَكُونُوا فِي الْحَرْبِ أَمْرَارًا، فَإِنَّ الْقِتَالَ لَا يُقَرِّبُ مَيْتَةً، وَكُونُوا لِلْمَعْرُوفِ

<<  <  ج: ص:  >  >>