[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ]
٥٧٣ -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ
ذِكْرُ انْهِزَامِ صَلَاحِ الدِّينِ بِالرَّمَلَةِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، أَوَاخِرَ جُمَادَى الْأُولَى، سَارَ صَلَاحُ الدِّينِ يُوسُفُ بْنُ أَيُّوبَ مِنْ مِصْرَ إِلَى الشَّامِ لِقَصْدِ غَزَاةِ بِلَادِ الْفِرِنْجِ، وَجَمَعَ مَعَهُ عَسَاكِرَ كَثِيرَةً وَجُنُودًا غَزِيرَةً، فَلَمْ يَزَالُوا يَجِدُّونَ السَّيْرَ حَتَّى وَصَلُوا إِلَى عَسْقَلَانَ فِي الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ، فَنَهَبُوا وَأَسَرُوا وَقَتَلُوا وَأَحْرَقُوا وَتَفَرَّقُوا فِي تِلْكَ الْأَعْمَالِ مُغِيرِينَ. فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّ الْفِرِنْجَ لَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ عَسْكَرٌ وَلَا اجْتَمَعَ لَهُمْ مَنْ يَحْمِي الْبِلَادَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، طَمِعُوا، وَانْبَسَطُوا، وَسَارُوا فِي الْأَرْضِ آمِنِينَ مُطَمَئِنِّينَ، وَوَصَلَ صَلَاحُ الدِّينِ إِلَى الرَّمْلَةِ، عَازِمًا عَلَى أَنْ يَقْصِدَ بَعْضَ حُصُونِهِمْ لِيَحْصُرَهُ، فَوَصَلَ إِلَى نَهْرٍ، فَازْدَحَمَ النَّاسُ لِلْعُبُورِ، فَلَمْ يَرْعَهُمْ إِلَّا وَالْفِرِنْجُ قَدْ أَشْرَفَتْ عَلَيْهِمْ بِأَطْلَابِهَا وَأَبْطَالِهَا، وَكَانَ مَعَ صَلَاحِ الدِّينِ بَعْضُ الْعَسْكَرِ، لِأَنَّ أَكْثَرَهُمْ تَفَرَّقُوا فِي طَلَبِ الْغَنِيمَةِ، فَلَمَّا رَآهُمْ وَقَفَ لَهُمْ فِيمَنْ مَعَهُ، وَتَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ تَقِيُّ الدِّينِ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ ابْنُ أَخِي صَلَاحِ الدِّينِ، فَبَاشَرَ الْقِتَالَ بِنَفْسِهِ بَيْنَ يَدَيْ عَمِّهِ، فَقُتِلَ مِنْ أَصْحَابِهِ جَمَاعَةٌ، وَكَذَلِكَ مِنَ الْفِرِنْجِ، وَكَانَ لِتَقِيِّ الدِّينِ وَلَدٌ اسْمُهُ أَحْمَدُ، وَهُوَ مِنْ أَحْسَنِ الشَّبَابِ أَوَّلُ مَا تَكَامَلَتْ لِحْيَتُهُ فَأَمَرَهُ أَبُوهُ بِالْحَمْلَةِ عَلَيْهِمْ، فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ وَقَاتَلَهُمْ وَعَادَ سَالِمًا قَدْ أَثَّرَ فِيهِمْ أَثَرًا كَثِيرًا، فَأَمَرَهُ بِالْعَوْدَةِ إِلَيْهِمْ ثَانِيَةً، فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ فَقُتِلَ شَهِيدًا، وَمَضَى حَمِيدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ -.
وَكَانَ أَشَدَّ النَّاسِ قِتَالًا ذَلِكَ الْيَوْمَ الْفَقِيهُ عِيسَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَتَمَّتِ الْهَزِيمَةُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَحَمَلَ بَعْضُ الْفِرِنْجِ عَلَى صَلَاحِ الدِّينِ فَقَارَبَهُ حَتَّى كَادَ يَصِلُ إِلَيْهِ، فَقُتِلَ الْفِرِنْجِيُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَتَكَاثَرَ الْفِرِنِجُ عَلَيْهِ، فَمَضَى مُنْهَزِمًا، يَسِيرُ قَلِيلًا وَيَقِفُ لِيَلْحَقَهُ الْعَسْكَرُ إِلَى أَنْ دَخَلَ اللَّيْلُ، فَسَلَكَ الْبَرِيَّةَ إِلَى أَنْ مَضَى فِي نَفَرٍ يَسِيرٍ إِلَى مِصْرَ، وَلَقَوْا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute