وَكَنَّاهُ أَبَا عَمْرٍو، وَيَعْنِي: إِنَّكَ مَوْلًى لَسْتَ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ حَتَّى تَكُونَ مِمَّنْ يَطْلُبُ بِثَأْرِ عُثْمَانَ.
وَقَالَ غَيْرُهُمْ مِنَ الشُّعَرَاءِ أَيْضًا بَعْدَ مَقْتَلِهِ فَمِنْ بَيْنِ مَادِحٍ وَهَاجٍ، وَمِنْ نَاعٍ وَبَاكٍ، وَمِنْ سَارٍّ فَرِحٍ، فَمِمَّنْ مَدَحَهُ حَسَّانُ - كَمَا تَقَدَّمَ - وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي آخَرِينَ غَيْرِهِمْ كَذَلِكَ.
[ذكر بَيْعَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ]
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ بُويِعَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ بَيْعَتِهِ، فَقِيلَ: إِنَّهُ لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ اجْتَمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَفِيهِمْ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، فَأَتَوْا عَلِيًّا فَقَالُوا لَهُ: إِنَّهُ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ إِمَامٍ. قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي فِي أَمْرِكُمْ فَمَنِ اخْتَرْتُمْ رَضِيتُ بِهِ. فَقَالُوا: مَا نَخْتَارُ غَيْرَكَ، وَتَرَدَّدُوا إِلَيْهِ مِرَارًا وَقَالُوا لَهُ فِي آخِرِ ذَلِكَ: إِنَّا لَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَحَقَّ بِهِ مِنْكَ، لَا أَقْدَمَ سَابِقَةً، وَلَا أَقْرَبَ قَرَابَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَقَالَ: لَا تَفْعَلُوا فَإِنِّي أَكُونُ وَزِيرًا خَيْرًا مِنْ أَنْ أَكُونَ أَمِيرًا. فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا نَحْنُ بِفَاعِلِينَ حَتَّى نُبَايِعَكَ. قَالَ: فَفِي الْمَسْجِدِ، فَإِنَّ بَيْعَتِي لَا تَكُونُ خُفْيَةً وَلَا تَكُونُ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ. وَكَانَ فِي بَيْتِهِ، وَقِيلَ: فِي حَائِطٍ لَبَنِي عَمْرِو بْنِ مَبْذُولٍ، فَخَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَعَلَيْهِ إِزَارٌ وَطَاقٌ وَعِمَامَةُ خَزٍّ وَنَعْلَاهُ فِي يَدِهِ مُتَوَكِّئًا عَلَى قَوْسٍ، فَبَايَعَهُ النَّاسُ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَهُ مِنَ النَّاسِ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ حَبِيبُ بْنُ ذُؤَيْبٍ فَقَالَ: إِنَّا لِلَّهِ! أَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بِالْبَيْعَةِ يَدٌ شَلَّاءُ، لَا يَتِمُّ هَذَا الْأَمْرُ! وَبَايَعَهُ الزُّبَيْرُ. وَقَالَ لَهُمَا عَلِيٌّ: إِنْ أَحْبَبْتُمَا أَنْ تُبَايِعَانِي وَإِنْ أَحْبَبْتُمَا بَايَعْتُكُمَا. فَقَالَا: بَلْ نُبَايِعُكَ. وَقَالَا بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّمَا فَعَلْنَا ذَلِكَ خَشْيَةً عَلَى نُفُوسِنَا، وَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَا يُبَايِعُنَا. وَهَرَبَا إِلَى مَكَّةَ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. وَبَايَعَهُ النَّاسُ، وَجَاءُوا بِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، فَقَالَ عَلِيٌّ: بَايِعْ فَقَالَ: لَا، حَتَّى يُبَايِعَ النَّاسُ، وَاللَّهِ مَا عَلَيْكَ مِنِّي بَأْسٌ. فَقَالَ: خَلُّوا سَبِيلَهُ. وَجَاءُوا بِابْنِ عُمَرَ فَقَالُوا:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute