[ذِكْرُ فَدَكَ]
لَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ خَيْبَرَ بَعَثَ مُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ إِلَى أَهْلِ فَدَكَ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَرَئِيسُهُمْ يَوْمَئِذٍ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ الْيَهُودِيُّ، فَصَالَحُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نِصْفِ الْأَرْضِ، فَقَبِلَ مِنْهُمْ ذَلِكَ، وَكَانَ نِصْفُ فَدَكَ خَالِصًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِفِ الْمُسْمِلُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، يَصْرِفُ مَا يَأْتِيهِ مِنْهَا عَلَى أَبْنَاءِ السَّبِيلِ، وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُهَا بِهَا حَتَّى اسْتُخْلِفَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَأَجْلَى يَهُودَ الْحِجَازِ، فَبَعَثَ أَبَا الْهَيْثَمِ بْنَ التَّيِّهَانِ، وَسَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ، وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، فَقَوَّمُوا نِصْفَ تُرْبَتِهَا بِقِيمَةِ عَدْلٍ، فَدَفَعَهَا إِلَى يَهُودَ، وَأَجْلَاهُمْ إِلَى الشَّامِ، وَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ - يَصْنَعُونَ صَنِيعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ وَفَاتِهِ.
فَلَمَّا وَلِيَ مُعَاوِيَةُ الْخِلَافَةَ أَقْطَعَهَا مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ، فَوَهَبَهَا مَرْوَانُ ابْنَيْهِ عَبْدَ الْمَلِكِ وَعَبْدَ الْعَزِيزِ، ثُمَّ صَارَتْ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَلِلْوَلِيدِ وَسُلَيْمَانَ ابْنِي عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، فَلَمَّا وَلِيَ الْوَلِيدُ الْخِلَافَةَ وَهَبَ نَصِيبَهُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثُمَّ وَلِيَ سُلَيْمَانُ الْخِلَافَةَ، فَوَهَبَ نَصِيبَهُ مِنْهَا أَيْضًا عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْخِلَافَةَ خَطَبَ النَّاسَ، وَأَعْلَمَهُمْ أَمْرَ فَدَكَ، وَأَنَّهُ قَدْ رَدَّهَا إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، فَوَلِيَهَا أَوْلَادُ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ أُخِذَتْ مِنْهُمْ.
فَلَمَّا كَانَتْ سَنَةُ عَشْرٍ وَمِائَتَيْنِ رَدَّهَا الْمَأْمُونُ إِلَيْهِمْ.
(مُحَيِّصَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ، وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَكَسْرِهَا، وَآخِرُهُ صَادٌ مُهْمَلَةٌ. وَالتَّيِّهَانُ بِفَتْحِ التَّاءِ فَوْقَهَا نُقْطَتَانِ، وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ تَحْتَهَا نُقْطَتَانِ) .
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ، زَوْجِهَا، فِي الْمُحَرَّمِ.
وَفِيهَا قَدِمَ حَاطِبٌ مِنْ عِنْدِ الْمُقَوْقِسِ بِمَارِيَةَ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُخْتِهَا شِيرِينَ، وَبَغْلَتِهِ دُلْدُلَ، وَحِمَارِهِ يَعْفُورَ، وَكُسْوَةٍ، فَأَسْلَمَتْ مَارِيَةُ وَأُخْتُهَا قَبْلَ قُدُومِهِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخَذَ مَارِيَةَ لِنَفْسِهِ، وَوَهَبَ شِيرِينَ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيَّ، فَهِيَ أُمُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute