للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَغَضِبَ الْمُنْذِرُ وَأَمَرَ بِإِخْرَاجِهِ، فَلَحِقَ بِعَسْكَرِ الْحَارِثِ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ: سَلْ حَاجَتَكَ. فَقَالَ لَهُ: حُلَّتُكُ وَخَلَّتُكَ. فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ عَبَّى الْحَارِثُ أَصْحَابَهُ وَحَرَّضَهُمْ، وَكَانَ فِي أَرْبَعِينَ أَلْفًا، وَاصْطَفُّوا لِلْقِتَالِ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَقُتِلَ الْمُنْذِرُ وَهُزِمَتْ جُيُوشُهُ، فَأَمَرَ الْحَارِثُ بِابْنَيْهِ الْقَتِيلَيْنِ فَحُمِلَا عَلَى بَعِيرٍ بِمَنْزِلَةِ الْعَدْلَيْنِ، وَجَعَلَ الْمُنْذِرَ فَوْقَهُمَا فَوَدَا وَقَالَ: " يَا لَعِلَاوَةٍ دُونَ الْعِدْلَيْنِ "! فَذَهَبَتْ مَثَلًا، وَسَارَ إِلَى الْحِيرَةِ فَأَنْهَبَهَا وَأَحْرَقَهَا وَدَفَنَ ابْنَيْهِ بِهَا وَبَنَى الْغَرِيِّينِ عَلَيْهِمَا فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ. وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَقُولُ ابْنُ أَبِي الرَّعْلَاءِ الضُّبْيَانِيُّ:

كَمَا تَرَكْنَا بِالْعَيْنِ عَيْنِ أُبَاغٍ ... مِنْ مُلُوكٍ وَسُوقَةٍ أَكْفَاءِ

أَمْطَرَتْهُمْ سَحَائِبُ الْمَوْتِ تَتْرَى ... إِنَّ فِي الْمَوْتِ رَاحَةَ الْأَشْقِيَاءِ

لَيْسَ مَنْ مَاتَ فَاسْتَرَاحَ بِمَيْتٍ ... إِنَّمَا الْمَيِّتُ مَيِّتُ الْأَحْيَاءِ

[يَوْمُ مَرْجِ حَلِيمَةَ وَقَتْلِ الْمُنْذِرِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ مَاءِ السَّمَاءِ]

لَمَّا قُتِلَ الْمُنْذِرُ بْنُ مَاءِ السَّمَاءِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، مَلَكَ بَعْدَهُ ابْنُهُ الْمُنْذِرُ وَتَلَقَّبَ الْأَسْوَدَ، فَلَمَّا اسْتَقَرَّ وَثَبَّتَ قَدَمَهُ جَمَعَ عَسَاكِرَهُ وَسَارَ إِلَى الْحَارِثِ الْأَعْرَجِ طَالِبًا بِثَأْرِ أَبِيهِ عِنْدَهُ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ: إِنَّنِي قَدْ أَعْدَدْتُ لَكَ الْكُهُولَ عَلَى الْفُحُولِ، فَأَجَابَهُ الْحَارِثُ: قَدْ أَعْدَدْتُ لَكَ الْمُرْدَ عَلَى الْجُرْدِ. فَسَارَ الْمُنْذِرُ حَتَّى نَزَلَ بِمَرْجِ حَلِيمَةَ، فَتَرَكَهُ مَنْ بِهِ مِنْ غَسَّانَ لِلْأَسْوَدِ.

وَإِنَّمَا سُمِّيَ مَرْجَ حَلِيمَةَ بِحَلِيمَةَ ابْنَةِ الْحَارِثِ الْغَسَّانِيِّ، وَسَنَذْكُرُ خَبَرَهَا عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ هَذَا الْيَوْمِ.

ثُمَّ إِنَّ الْحَارِثَ سَارَ فَنَزَلَ بِالْمَرْجِ أَيْضًا، فَأَمَرَ أَهْلَ الْقُرَى الَّتِي فِي الْمَرْجِ أَنْ يَصْنَعُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>