للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَمِائَتَيْنِ]

٢٠٥ -

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَمِائَتَيْنِ

ذِكْرُ وِلَايَةِ طَاهِرٍ خُرَاسَانَ

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ اسْتَعْمَلَ الْمَأْمُونُ طَاهِرَ بْنَ الْحُسَيْنِ عَلَى الْمَشْرِقِ، مِنْ مَدِينَةِ السَّلَامِ إِلَى أَقْصَى عَمَلِ الْمَشْرِقِ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ يَتَوَلَّى الشُّرَطَ بِجَانِبَيْ بَغْدَاذَ وَمَعَاوِنِ السَّوَادِ.

وَكَانَ سَبَبَ وِلَايَتِهِ خُرَاسَانَ أَنَّ طَاهِرًا دَخَلَ عَلَى الْمَأْمُونِ وَهُوَ يَشْرَبُ النَّبِيذَ، وَحُسَيْنٌ الْخَادِمُ يَسْقِيهِ، فَلَمَّا دَخَلَ طَاهِرٌ سَقَاهُ رِطْلَيْنِ، وَأَمَرَهُ بِالْجُلُوسِ، فَقَالَ: لَيْسَ لِصَاحِبِ الشُّرْطَةِ أَنْ يَجْلِسَ عِنْدَ سَيِّدِهِ. فَقَالَ الْمَأْمُونُ: ذَلِكَ فِي مَجْلِسِ الْعَامَّةِ، وَأَمَّا فِي مَجْلِسِ الْخَاصَّةِ فَلَهُ ذَلِكَ.

فَبَكَى الْمَأْمُونُ وَتَغَرْغَرَتْ عَيْنَاهُ بِالدُّمُوعِ، فَقَالَ طَاهِرٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لِمَ تَبْكِي - لَا أَبْكَى اللَّهُ عَيْنَكَ -؟ وَاللَّهِ لَقَدْ دَانَتْ لَكَ الْبِلَادُ، وَأَذْعَنَ لَكَ الْعِبَادُ، وَصِرْتَ إِلَى الْمَحَبَّةِ فِي كُلِّ أَمْرِكَ! قَالَ: أَبْكِي لِأَمْرٍ ذِكْرُهُ ذُلٌّ، وَسَتْرُهُ حُزْنٌ، وَلَنْ يَخْلُوَ أَحَدٌ مِنْ شَجَنٍ.

وَانْصَرَفَ طَاهِرٌ، فَدَعَا هَارُونَ بْنَ جَيْعُونَةَ وَقَالَ لَهُ: إِنَّ أَهْلَ خُرَاسَانَ يَتَعَصَّبُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، فَخُذْ مَعَكَ ثَلَاثَمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَأَعْطِ حُسَيْنًا الْخَادِمَ مِائَتَيْ أَلْفٍ، وَكَاتِبَهُ مُحَمَّدَ بْنَ هَارُونَ مِائَةَ أَلْفٍ، وَسَلْهُ أَنْ يَسْأَلَ الْمَأْمُونَ لِمَ بَكَى؟ فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا تَغَدَّى الْمَأْمُونُ قَالَ: اسْقِنِي يَا حُسَيْنُ، قَالَ: لَا وَاللَّهِ، حَتَّى تَقُولَ لِي لِمَ بَكَيْتَ حِينَ دَخَلَ عَلَيْكَ طَاهِرٌ. قَالَ: وَكَيْفَ عُنِيتَ بِهَذَا الْأَمْرِ، حَتَّى سَأَلْتَنِي عَنْهُ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>