[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَخَمْسِمَائَةٍ]
(٥٢٩)
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَخَمْسِمَائَةٍ
ذِكْرُ وَفَاةِ الْمَلِكِ طُغْرُلَ، وَمُلْكِ مَسْعُودٍ بَلَدَ الْجَبَلِ
قَدْ ذَكَرْنَا قُدُومَ السُّلْطَانِ مَسْعُودٍ إِلَى بَغْدَادَ مُنْهَزِمًا مِنْ أَخِيهِ الْمَلِكِ طُغْرُلَ بْنِ مُحَمَّدٍ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى بَغْدَادَ أَكْرَمَهُ الْخَلِيفَةُ، وَحَمَلَ إِلَيْهِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِثْلُهُ، وَأَمَرَهُ بِالْمَسِيرِ إِلَى هَمَذَانَ، وَجَمْعِ الْعَسَاكِرِ، وَمُنَازَعَةِ أَخِيهِ طُغْرُلَ فِي السَّلْطَنَةِ وَالْبِلَادِ، وَمَسْعُودٌ يَعُدُّ وَيُدَافِعُ الْأَيَّامَ، وَالْخَلِيفَةُ يَحُثُّهُ عَلَى ذَلِكَ، وَوَعَدَهُ أَنْ يَسِيرَ مَعَهُ بِنَفْسِهِ، وَأَمَرَ أَنْ تَبْرُزَ خِيَامُهُ إِلَى بَابِ الْخَلِيفَةِ.
وَكَانَ قَدِ اتَّصَلَ الْأَمِيرُ الْبَقْشُ السِّلَاحِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأُمَرَاءِ بِالْخَلِيفَةِ، وَطَلَبُوا خِدْمَتَهُ فَاسْتَخْدَمَهُمْ، وَاتَّفَقَ مَعَهُمْ.
وَاتَّفَقَ أَنَّ إِنْسَانًا أُخِذَ فَوُجِدَ مَعَهُ مُلَطِّفَاتٌ مِنْ طُغْرُلَ إِلَى هَؤُلَاءِ الْأُمَرَاءِ وَخَاتَمُهُ بِالْإِقْطَاعِ لَهُمْ، فَلَمَّا رَأَى الْخَلِيفَةُ ذَلِكَ قَبَضَ عَلَى أَمِيرٍ مِنْهُمُ اسْمُهُ أَغْلَبَكَّ، وَنَهَبَ مَالَهُ، فَاسْتَشْعَرَ غَيْرُهُ مِنَ الْأُمَرَاءِ الَّذِينَ مَعَ الْخَلِيفَةِ فَهَرَبُوا إِلَى عَسْكَرِ السُّلْطَانِ مَسْعُودٍ، فَأَرْسَلَ الْخَلِيفَةُ إِلَى مَسْعُودٍ فِي إِعَادَتِهِمْ إِلَيْهِ فَلَمْ يَفْعَلْ وَاحْتَجَّ بِأَشْيَاءَ، فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَى الْخَلِيفَةِ، وَحَدَثَ بَيْنَهُمَا وَحْشَةٌ أَوْجَبَتْ تَأَخُّرَهُ عَنِ الْمَسِيرِ مَعَهُ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ يُلْزِمُهُ بِالْمَسِيرِ مَعَهُ أَمْرًا جَزْمًا، فَبَيْنَمَا الْأَمْرُ عَلَى هَذَا إِذْ جَاءَهُ الْخَبَرُ بِوَفَاةِ أَخِيهِ طُغْرُلَ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِمَائَةٍ فِي الْمُحَرَّمِ، وَكَانَ خَيِّرًا عَاقِلًا عَادِلًا قَرِيبًا إِلَى الرَّعِيَّةِ مُحْسِنًا إِلَيْهَا، وَكَانَ قَبْلَ مَوْتِهِ قَدْ خَرَجَ مِنْ دَارِهِ يُرِيدُ السَّفَرَ إِلَى أَخِيهِ السُّلْطَانِ مَسْعُودٍ، فَدَعَا لَهُ النَّاسُ، فَقَالَ:
ادْعُوَا بِخَيْرِنَا لِلْمُسْلِمِينَ.
وَلَمَّا تُوُفِّيَ وَوَصَلَ الْخَبَرُ إِلَى مَسْعُودٍ سَارَ مِنْ سَاعَتِهِ نَحْوَ هَمَذَانَ، وَأَقْبَلَتِ الْعَسَاكِرُ جَمِيعُهَا إِلَيْهِ، وَاسْتَوْزَرَ شَرَفَ الدِّينِ أَنُوشِرْوَانَ بْنَ خَالِدٍ، وَكَانَ قَدْ خَرَجَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute