[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ]
١٥٣ -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ
فِيهَا عَادَ الْمَنْصُورُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْبَصْرَةِ فَجَهَّزَ جَيْشًا فِي الْبَحْرِ إِلَى الْكُرْكِ الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُ إِغَارَتِهِمْ عَلَى جُدَّةَ.
وَفِيهَا قَبَضَ الْمَنْصُورُ عَلَى أَبِي أَيُّوبَ الْمُورِيَانِيِّ، وَعَلَى أَخِيهِ وَبَنِي أَخِيهِ، وَكَانَتْ مَنَازِلَهُمُ الْمَنَاذِرُ، وَكَانَ قَدْ سَعَى بِهِ كَاتِبُهُ أَبَانُ بْنُ صَدَقَةَ.
وَقِيلَ: كَانَ سَبَبُ قَبْضِهِ أَنَّ الْمَنْصُورَ فِي دَوْلَةِ بَنِي أُمَيَّةَ وَرَدَ عَلَى الْمَوْصِلِ وَأَقَامَ بِهَا مُسْتَتِرًا وَتَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الْأَزْدِ،، فَحَمَلَتْ مِنْهُ، ثُمَّ فَارَقَ الْمَوْصِلَ وَأَعْطَاهَا تَذْكِرَةً وَقَالَ لَهَا: إِذَا سَمِعْتِ بِدَوْلَةٍ لِبَنِي هَاشِمٍ فَأَرْسِلِي هَذِهِ التَّذْكِرَةَ إِلَى صَاحِبِ الْأَمْرِ فَهُوَ يَعْرِفُهَا، فَوَضَعَتِ الْمَرْأَةُ وَلَدًا سَمَّتْهُ جَعْفَرًا، فَنَشَأَ وَتَعَلَّمَ الْكِتَابَةَ، وَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْكَاتِبُ.
وَوَلِيَ الْمَنْصُورُ الْخِلَافَةَ، فَقَدِمَ جَعْفَرٌ إِلَى بَغْدَاذَ، وَاتَّصَلَ بِأَبِي أَيُّوبَ فَجَعَلَهُ كَاتِبًا بِالدِّيوَانِ، فَطَلَبَ الْمَنْصُورُ يَوْمًا مِنْ أَبِي أَيُّوبَ كَاتِبًا يَكْتُبُ لَهُ شَيْئًا، فَأَرْسَلَ جَعْفَرًا إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَآهُ الْمَنْصُورُ مَالَ إِلَيْهِ وَأَحَبَّهُ، فَلَمَّا أَمَرَهُ بِالْكِتَابَةِ رَآهُ حَاذِقًا مَاهِرًا، فَسَأَلَهُ مِنْ أَيْنَ هُوَ، وَمَنْ أَبُوهُ، فَذَكَرَ لَهُ الْحَالَ وَأَرَاهُ التَّذْكِرَةَ، وَكَانَتْ مَعَهُ، فَعَرَفَهُ الْمَنْصُورُ وَصَارَ يَطْلُبُهُ كُلَّ وَقْتٍ بِحُجَّةِ الْكِتَابَةِ، فَخَافَهُ أَبُو أَيُّوبَ.
ثُمَّ إِنَّ الْمَنْصُورَ أَحْضَرَهُ يَوْمًا وَأَعْطَاهُ مَالًا، وَأَمَرَ أَنْ يَصْعَدَ إِلَى الْمَوْصِلِ وَيُحْضِرَ وَالِدَتَهُ، فَسَارَ مِنْ بَغْدَاذَ، وَكَانَ أَبُو أَيُّوبَ قَدْ وَضَعَ عَلَيْهِ الْعُيُونَ يَأْتُونَهُ بِأَخْبَارِهِ، فَلَمَّا عَلِمَ مَسِيرَهُ سَيَّرَ وَرَاءَهُ مَنِ اغْتَالَهُ فِي الطَّرِيقِ فَقَتَلَهُ.
فَلَمَّا أَبْطَأَ عَلَى الْمَنْصُورِ أَرْسَلَ إِلَى [أُمِّهِ] بِالْمَوْصِلِ مَنْ يَسْأَلُهَا عَنْهُ، فَذَكَرَتْ لَهُ أَنَّهَا لَا عِلْمَ لَهَا بِهِ إِلَّا أَنَّهُ بِبَغْدَاذَ يَكْتُبُ فِي دِيوَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute