وَقَالُوا لَهُ: ادْخُلْ وَامْنَعْنَا مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْجَانِبِ، وَدَخَلَ أَهْلُ كُلِّ بَابٍ بِصُلْحٍ مِمَّا يَلِيهِمْ. وَدَخَلَ خَالِدٌ عَنْوَةً، فَالْتَقَى خَالِدٌ وَالْقُوَّادُ فِي وَسَطِهَا، هَذَا قَتْلًا وَنَهْبًا، وَهَذَا صَفْحًا وَتَسْكِينًا، فَأَجْرَوْا نَاحِيَةَ خَالِدٍ مَجْرَى الصُّلْحِ، وَكَانَ صُلْحُهُمْ عَلَى الْمُقَاسَمَةِ، وَقَسَمُوا مَعَهُمْ لِلْجُنُودِ الَّتِي عِنْدَ فِحْلٍ وَعِنْدَ حِمْصَ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ هُوَ رِدْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ.
وَأَرْسَلَ أَبُو عُبَيْدَةَ إِلَى عُمَرَ بِالْفَتْحِ، فَوَصَلَ كِتَابُ عُمَرَ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ يَأْمُرُهُ بِإِرْسَالِ جُنْدِ الْعِرَاقِ نَحْوَ الْعِرَاقِ إِلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، فَأَرْسَلَهُمْ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ هَاشِمَ بْنَ عُتْبَةَ الْمِرْقَالَ، وَكَانُوا قَدْ قُتِلَ مِنْهُمْ، فَأَرْسَلَ أَبُو عُبَيْدَةَ عِوَضَ مَنْ قُتِلَ، وَكَانَ مِمَّنْ أَرْسَلَ الْأَشْتَرُ وَغَيْرُهُ، وَسَارَ أَبُو عُبَيْدَةَ إِلَى فِحْلٍ.
[ذِكْرُ غَزْوَةِ فِحْلٍ]
فَلَمَّا فُتِحَتْ دِمَشْقُ سَارَ أَبُو عُبَيْدَةَ إِلَى فِحْلٍ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى دِمَشْقَ يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، وَبَعَثَ خَالِدًا عَلَى الْمُقَدِّمَةِ، وَعَلَى النَّاسِ شُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ، وَكَانَ عَلَى الْمُجَنِّبَتَيْنِ أَبُو عُبَيْدَةَ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَعَلَى الْخَيْلِ ضِرَارُ بْنُ الْأَزْوَرِ، وَعَلَى الرِّجَالِ عِيَاضُ بْنُ غَنْمٍ، وَكَانَ أَهْلُ فِحْلٍ قَدْ قَصَدُوا بَيْسَانَ، فَهَمَّ بِهَا، فَنَزَلَ شُرَحْبِيلُ بِالنَّاسِ فِحْلًا، وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الرُّومِ تِلْكَ الْمِيَاهُ وَالْأَوْحَالُ، وَكَتَبُوا إِلَى عُمَرَ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تُسَمِّي تِلْكَ الْغَزَاةَ ذَاتَ الرَّدَغَةِ وَبَيْسَانَ وَفِحْلٍ. وَأَقَامَ النَّاسُ يَنْتَظِرُونَ كِتَابَ عُمَرَ، فَاعْتَرَّهُمُ الرُّومُ، فَخَرَجُوا وَعَلَيْهِمْ سَقَلَّارُ بْنُ مِخْرَاقٍ، فَأَتَوْهُمْ وَالْمُسْلِمُونَ حَذِرُونَ، وَكَانَ شُرَحْبِيلُ لَا يَبِيتُ وَلَا يُصْبِحُ إِلَّا عَلَى تَعْبِيَةٍ، فَلَمَّا هَجَمُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُنَاظِرُوهُمْ فَاقْتَتَلُوا أَشَدَّ قِتَالٍ كَانَ لَهُمْ لَيْلَتَهُمْ وَيَوْمَهُمْ إِلَى اللَّيْلِ، وَأَظْلَمَ اللَّيْلُ عَلَيْهِمْ وَقَدْ حَارُوا، فَانْهَزَمَ الرُّومُ وَهُمْ حَيَارَى، وَقَدْ أُصِيبَ رَئِيسُهُمْ سَقَلَّارُ وَالَّذِي يَلِيهِ فِيهِمْ نِسْطُورَسُ، وَظَفِرَ الْمُسْلِمُونَ بِهِمْ وَرَكِبُوهُمْ، وَلَمْ تَعْرِفِ الرُّومُ مَأْخَذَهُمْ، فَانْتَهَتْ بِهِمُ الْهَزِيمَةُ إِلَى الْوَحْلِ فَرَكِبُوهُ، وَلَحِقَهُمُ الْمُسْلِمُونَ فَأَخَذُوهُمْ، وَلَا يَمْنَعُونَ يَدَ لَامِسٍ، فَوَخَزُوهُمْ بِالرِّمَاحِ، فَكَانَتِ الْهَزِيمَةُ بِفِحْلٍ وَالْقَتْلُ بِالرِّدَاغِ، فَأُصِيبَ الرُّومُ وَهُمْ ثَمَانُونَ أَلْفًا، لَمْ يُفْلِتْ مِنْهُمْ إِلَّا الشَّرِيدُ، وَقَدْ كَانَ اللَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute