يَأْمُرُهُ بِأَنْ يَبْدَأَ بِدِمَشْقَ، فَإِنَّهَا حِصْنُ الشَّامِ وَبَيْتُ مَلِكِهِمْ، وَأَنْ يَشْغَلَ أَهْلُ فِحْلٍ بِخَيْلٍ تَكُونُ بِإِزَائِهِمْ، وَإِذَا فَتَحَ دِمَشْقَ سَارَ إِلَى فِحْلٍ، فَإِذَا فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ سَارَ هُوَ وَخَالِدٌ إِلَى حِمْصَ، وَتَرَكَ شُرَحْبِيلَ بْنَ حَسَنَةَ وَعَمْرًا بِالْأُرْدُنِّ وَفِلَسْطِينَ.
فَأَرْسَلَ أَبُو عُبَيْدَةَ إِلَى فِحْلٍ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَنَزَلُوا قَرِيبًا مِنْهَا، وَبَثَقَ الرُّومُ الْمَاءَ حَوْلَ فِحْلٍ فَوَحِلَتِ الْأَرْضُ، فَنَزَلَ عَلَيْهِمُ الْمُسْلِمُونَ، فَكَانَ أَوَّلَ مَحْصُورٍ بِالشَّامِ أَهْلُ فِحْلٍ، ثُمَّ أَهْلُ دِمَشْقَ.
وَبَعَثَ أَبُو عُبَيْدَةَ جُنْدًا فَنَزَلُوا بَيْنَ حِمْصَ وَدِمَشْقَ، وَأَرْسَلَ جُنْدًا آخَرَ، فَكَانُوا بَيْنَ دِمَشْقَ وَفِلَسْطِينَ، وَسَارَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَخَالِدٌ فَقَدِمُوا عَلَى دِمَشْقَ وَعَلَيْهَا نِسْطَاسُ، فَنَزَلَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَلَى نَاحِيَةٍ، وَخَالِدٌ عَلَى نَاحِيَةٍ، وَعَمْرٌو عَلَى نَاحِيَةٍ، وَكَانَ هِرَقْلُ قَرِيبَ حِمْصَ، فَحَصَرَهُمُ الْمُسْلِمُونَ سَبْعِينَ لَيْلَةً حِصَارًا شَدِيدًا، وَقَاتَلُوهُمْ بِالزَّحْفِ وَالْمَجَانِيقِ، وَجَاءَتْ خُيُولُ هِرَقْلَ مُغِيثَةً دِمَشْقَ، فَمَنَعَتْهَا خُيُولُ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي عِنْدَ حِمْصَ، فَخُذِلَ أَهْلُ دِمَشْقَ، وَطَمِعَ فِيهِمُ الْمُسْلِمُونَ.
وَوُلِدَ لِلْبِطْرِيقِ الَّذِي عَلَى أَهْلِهَا مَوْلُودٌ، فَصَنَعَ طَعَامًا، فَأَكَلَ الْقَوْمُ وَشَرِبُوا، وَتَرَكُوا مَوَاقِفَهُمْ، وَلَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ خَالِدٍ، فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَنَامُ وَلَا يُنِيمُ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ أُمُورِهِمْ شَيْءٌ، وَكَانَ قَدِ اتَّخَذَ حِبَالًا كَهَيْئَةِ السَّلَالِيمِ وَأَوْهَاقًا، فَلَمَّا أَمْسَى ذَلِكَ الْيَوْمَ نَهَدَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ جُنْدِهِ الَّذِينَ قُدِّمَ عَلَيْهِمْ، وَتَقَدَّمَهُمْ هُوَ وَالْقَعْقَاعُ بْنُ عَمْرٍو وَمَذْعُورُ بْنُ عَدِيٍّ وَأَمْثَالُهُ، وَقَالُوا: إِذَا سَمِعْتُمْ تَكْبِيرًا عَلَى السُّورِ فَارْقَوْا إِلَيْنَا، وَاقْصُدُوا الْبَابَ. فَلَمَّا وَصَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ إِلَى السُّورِ أَلْقَوُا الْحِبَالَ، فَعَلِقَ بِالشُّرَفِ مِنْهَا حَبْلَانِ، فَصَعِدَ فِيهِمَا الْقَعْقَاعُ وَمَذْعُورٌ وَأَثْبَتَا الْحِبَالَ بِالشُّرَفِ، وَكَانَ ذَلِكَ الْمَكَانُ أَحْصَنَ مَوْضِعٍ بِدِمَشْقَ، وَأَكْثَرَهُ مَاءً، فَصَعِدَ الْمُسْلِمُونَ، ثُمَّ انْحَدَرَ خَالِدٌ وَأَصْحَابُهُ وَتُرِكَ بِذَلِكَ الْمَكَانِ مَنْ يَحْمِيهِ وَأَمَرَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ، فَكَبَّرُوا، فَأَتَاهُمُ الْمُسْلِمُونَ إِلَى الْبَابِ وَإِلَى الْحِبَالِ، وَانْتَهَى خَالِدٌ إِلَى مَنْ يَلِيهِ فَقَتَلَهُمْ، وَقَصَدَ الْبَابَ فَقَتَلَ الْبَوَّابِينَ، وَثَارَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَا يَدْرُونَ مَا الْحَالُ، وَتَشَاغَلَ أَهْلُ كُلِّ نَاحِيَةٍ بِمَا يَلِيهِمْ، وَفَتَحَ خَالِدٌ الْبَابَ وَقَتَلَ كُلَّ مَنْ عِنْدَهُ مِنَ الرُّومِ.
فَلَمَّا رَأَى الرُّومُ ذَلِكَ قَصَدُوا أَبَا عُبَيْدَةَ وَبَذَلُوا لَهُ الصُّلْحَ، فَقَبِلَ مِنْهُمْ وَفَتَحُوا لَهُ الْبَابَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute