[ذِكْرُ إِسْكَنْدَرَ ذِي الْقَرْنَيْنِ]
كَانَ فَيْلُفُوسُ أَبُو الْإِسْكَنْدَرِ الْيُونَانِيِّ مِنْ أَهْلِ بَلْدَةٍ يُقَالُ لَهَا مَقْدُونِيَّةُ، كَانَ مَلِكًا عَلَيْهَا وَعَلَى بِلَادٍ أُخْرَى، فَصَالَحَ دَارَا عَلَى خَرَاجٍ يَحْمِلُهُ إِلَيْهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ. فَلَمَّا هَلَكَ فَيْلُفُوسَ مَلَكَ بَعْدَهُ ابْنُهُ الْإِسْكَنْدَرُ وَاسْتَوْلَى عَلَى بِلَادِ الرُّومِ أَجْمَعَ، فَقَوِيَ عَلَى دَارَا فَلَمْ يَحْمِلْ إِلَيْهِ مِنَ الْخَرَاجِ شَيْئًا وَكَانَ الْخَرَاجُ الَّذِي يَحْمِلُهُ بَيْضًا مِنْ ذَهَبٍ فَسَخِطَ عَلَيْهِ دَارَا وَكَتَبَ إِلَيْهِ يُؤَنِّبُهُ بِسُوءِ صَنِيعِهِ فِي تَرْكِ حَمْلِ الْخَرَاجِ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِصَوْلَجَانٍ وَكُرَةٍ وَقَفِيزٍ مِنْ سِمْسِمٍ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّهُ صَبِيٌّ، وَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَلْعَبَ بِالصَّوْلَجَانِ، وَالْكُرَةِ، وَيَتْرُكَ الْمُلْكَ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ وَاسْتَعْصَى عَلَيْهِ بَعَثَ مَنْ يَأْتِيهِ بِهِ فِي وَثَاقٍ، وَإِنَّ عِدَّةَ جُنُودِهِ كَعِدَّةِ حَبِّ السِّمْسِمِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ إِلَيْهِ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْإِسْكَنْدَرُ: إِنَّهُ قَدْ فَهِمَ مَا كَتَبَ بِهِ، وَقَدْ نَظَرَ إِلَى مَا ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ مِنْ إِرْسَالِهِ الصَّوْلَجَانَ، وَالْكُرَةَ، وَتَيَمَّنَ بِهِ لِإِلْقَاءِ الْمُلْقِي الْكُرَةَ إِلَى الصَّوْلَجَانِ وَاحْتِرَازِهِ إِيَّاهَا، وَشَبَّهَ الْأَرْضَ بِالْكُرَةِ، وَأَنَّهُ يَجُرُّ مُلْكَ دَارَا إِلَى مُلْكِهِ، وَتَيَمُّنُهُ بِالسِّمْسِمِ الَّذِي بَعَثَ كَتَيَمُّنِهِ بِالصَّوْلَجَانِ، وَالْكُرَةِ لِدَسَمِهِ وَبُعْدِهِ مِنَ الْمَرَارَةِ وَالْحَرَافَةِ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِصُرَّةٍ فِيهَا خَرْدَلٌ، وَأَعْلَمَهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ مَا بُعِثَ بِهِ إِلَيْهِ قَلِيلٌ وَلَكِنَّهُ مُرٌّ حَرِّيفٌ، وَأَنَّ جُنُودَهُ مِثْلَهُ. فَلَمَّا وَصَلَ كِتَابُهُ إِلَى دَارَا تَأَهَّبَ لِمُحَارَبَتِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute