وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِأَخْبَارِ الْأَوَّلِينَ أَنَّ الْإِسْكَنْدَرَ الَّذِي حَارَبَ دَارَا بْنَ دَارَا هُوَ أَخُو دَارَا الْأَصْغَرُ الَّذِي حَارَبَهُ، وَأَنَّ أَبَاهُ دَارَا الْأَكْبَرَ كَانَ تَزَوَّجَ أُمَّ الْإِسْكَنْدَرِ، وَهِيَ ابْنَةُ مَلِكِ الرُّومِ، فَلَمَّا حُمِلَتْ إِلَيْهِ وَجَدَ نَتَنَ رِيحَهَا وَسَهَكَهَا، فَأَمَرَ أَنْ يُحْتَالَ لِذَلِكَ مِنْهَا، فَاجْتَمَعَ رَأْيُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فِي مُدَاوَاتِهَا عَلَى شَجَرَةٍ يُقَالُ لَهَا بِالْفَارِسِيَّةِ سَنْدَرُ، فَغُسِلَتْ بِمَائِهَا فَأَذْهَبَ ذَلِكَ كَثِيرًا مِنْ نَتَنِهَا وَلَمْ يَذْهَبْ كُلُّهُ، وَانْتَهَتْ نَفْسُهُ عَنْهَا، فَرَدَّهَا إِلَى أَهْلِهَا، وَقَدْ عَلِقَتْ مِنْهُ فَوَلَدَتْ عِنْدَ أَهْلِهَا غُلَامًا فَسَمَّتْهُ بِاسْمِ الشَّجَرَةِ الَّتِي غُسِلَتْ بِمَائِهَا مُضَافًا إِلَى اسْمِهَا.
وَقَدْ هَلَكَ أَبُوهَا وَمَلَكَ الْإِسْكَنْدَرُ بَعْدَهُ، فَمَنَعَ الْخَرَاجَ الَّذِي كَانَ يُؤَدِّيهِ جَدُّهُ إِلَى دَارَا، فَأَرْسَلَ يَطْلُبُهُ، وَكَانَ بَيْضًا مِنْ ذَهَبٍ، فَأَجَابَهُ إِنِّي قَدْ ذَبَحْتُ الدَّجَاجَةَ الَّتِي كَانَتْ تَبِيضُ ذَلِكَ الْبَيْضَ وَأَكَلْتُ لَحْمَهَا، فَإِنْ أَحْبَبْتَ وَادَعْنَاكَ، وَإِنْ أَحْبَبْتَ نَاجَزْنَاكَ.
ثُمَّ خَافَ الْإِسْكَنْدَرُ مِنَ الْحَرْبِ فَطَلَبَ الصُّلْحَ، فَاسْتَشَارَ دَارَا أَصْحَابَهُ، فَأَشَارُوا عَلَيْهِ بِالْحَرْبِ لِفَسَادِ قُلُوبِهِمْ عَلَيْهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ نَاجَزَهُ دَارَا الْقِتَالَ، فَكَتَبَ الْإِسْكَنْدَرُ إِلَى حَاجِبَيْ دَارَا وَحَكَّمَهُمَا عَلَى الْفَتْكِ بِدَارَا، فَاحْتَكَمَا شَيْئًا، وَلَمْ يَشْتَرِطَا أَنْفُسَهُمَا. فَلَمَّا الْتَقَيَا لِلْحَرْبِ طَعَنَ دَارَا حَاجِبَاهُ فِي الْوَقْعَةِ، وَكَانَتِ الْحَرْبُ بَيْنَهُمَا سَنَةً، فَانْهَزَمَ أَصْحَابُ دَارَا وَلَحِقَهُ الْإِسْكَنْدَرُ وَهُوَ بِآخِرِ رَمَقٍ.
وَقِيلَ: بَلْ فَتَكَ بِهِ رَجُلَانِ مِنْ حَرَسِهِ مِنْ أَهْلِ هَمَذَانَ حُبًّا لِلرَّاحَةِ مِنْ ظُلْمِهِ، وَكَانَ فَتْكُهُمَا بِهِ لَمَّا رَأَيَا عَسْكَرَهُ قَدِ انْهَزَمَ عَنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِأَمْرِ الْإِسْكَنْدَرِ، وَكَانَ قَدْ أَمَرَ الْإِسْكَنْدَرُ مُنَادِيًا يُنَادِي عِنْدَ هَزِيمَةِ عَسْكَرِ دَارَا أَنْ يُؤْسَرَ دَارَا وَلَا يُقْتَلَ، فَأُخْبِرَ بِقَتْلِهِ، فَنَزَلَ إِلَيْهِ وَمَسَحَ التُّرَابَ عَنْ وَجْهِهِ وَجَعَلَ رَأْسَهُ فِي حِجْرِهِ، وَقَالَ لَهُ: إِنَّمَا قَتَلَكَ أَصْحَابُكَ وَإِنَّنِي لَمْ أَهُمَّ بِقَتْلِكَ قَطُّ، وَلَقَدْ كُنْتُ أَرْغَبُ بِكَ يَا شَرِيفَ الْأَشْرَافِ وَيَا مَلِكَ الْمُلُوكِ وَحُرَّ الْأَحْرَارِ عَنْ هَذَا الْمَصْرَعِ، فَأَوْصِ بِمَا أَحْبَبْتَ، فَأَوْصَاهُ دَارَا أَنْ يَتَزَوَّجَ ابْنَتَهُ رُوشَنْكَ وَيَرْعَى حَقَّهَا وَيُعَظِّمَ قَدْرَهَا، وَيَسْتَبْقِيَ أَحْرَارَ فَارِسَ وَيَأْخُذَ لَهُ بِثَأْرِهِ مِمَّنْ قَتَلَهُ. فَفَعَلَ الْإِسْكَنْدَرُ ذَلِكَ أَجْمَعَ وَقَتَلَ حَاجِبَيْ دَارَا، وَقَالَ لَهُمَا: إِنَّكُمَا لَمْ تَشْتَرِطَا نُفُوسَكُمَا، فَقَتَلَهُمَا بَعْدَ أَنْ وَفَى لَهُمَا بِمَا ضَمِنَ لَهُمَا، وَقَالَ: لَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَبْقَى قَاتِلُ الْمُلُوكِ إِلَّا بِذِمَّةٍ لَا تُخْفَرُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute