[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَسَبْعِينَ]
٧٦ -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَسَبْعِينَ
ذِكْرُ خُرُوجِ صَالِحِ بْنِ مُسَرِّحٍ
كَانَ صَالِحُ بْنُ مُسَرِّحٍ التَّمِيمِيُّ رَجُلًا نَاسِكًا، مُصْفَرَّ الْوَجْهِ، صَاحِبَ عِبَادَةٍ، وَكَانَ بِدَارَا وَأَرْضِ الْمَوْصِلِ وَالْجَزِيرَةِ، وَلَهُ أَصْحَابٌ يَقْرَأُ بِهِمُ الْقُرْآنَ وَالْفِقْهَ وَيَقُصُّ عَلَيْهِمْ، فَدَعَاهُمْ إِلَى الْخُرُوجِ وَإِنْكَارِ الظُّلْمِ وَجِهَادِ الْمُخَالِفِينَ لَهُمْ، فَأَجَابُوهُ، وَحَثَّهُمْ عَلَيْهِمْ، فَرَاسَلَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ وَتَلَاقَوْا بِهِ، فَبَيْنَا هُمْ فِي ذَلِكَ إِذْ قَدِمَ عَلَيْهِ كِتَابُ شَبِيبٍ يَقُولُ لَهُ: إِنَّكَ كُنْتَ تُرِيدُ الْخُرُوجَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِكَ الْيَوْمَ، فَأَنْتَ شَيْخُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَنْ نَعْدِلَ بِكَ أَحَدًا، وَإِنْ أَرَدْتَ تَأْخِيرَ ذَلِكَ [الْيَوْمِ] أَعْلِمْنِي، فَإِنَّ الْآجَالَ غَادِيَةٌ وَرَائِحَةٌ، وَلَا آمَنُ أَنْ تَخْتَرِمَنِيَ الْمَنِيَّةُ وَلَمْ أُجَاهِدِ الظَّالِمِينَ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ صَالِحٌ: إِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الْخُرُوجِ إِلَّا انْتِظَارُكَ، فَأَقْبِلْ إِلَيْنَا، فَإِنَّكَ مِمَّنْ لَا يُسْتَغْنَى عَنْ رَأْيِهِ، وَلَا تُقْضَى دُونَهُ الْأُمُورُ. فَلَمَّا قَرَأَ شَبِيبٌ كِتَابَهُ دَعَا نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِهِ، مِنْهُمْ: أَخُوهُ مُصَادُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ نُعَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، وَالْمُحَلِّلُ بْنُ وَائِلٍ الْيَشْكُرِيُّ، وَغَيْرُهُمَا، وَخَرَجَ بِهِمْ حَتَّى قَدِمَ عَلَى صَالِحٍ بِدَارَا، فَلَمَّا لَقِيَهُ قَالَ: اخْرُجْ بِنَا رَحِمَكَ اللَّهُ، فَوَاللَّهِ مَا تَزْدَادُ [السُّنَّةُ] إِلَّا دُرُوسًا، وَلَا يَزْدَادُ الْمُجْرِمُونَ إِلَّا طُغْيَانًا.
فَبَثَّ صَالِحٌ رُسُلَهُ، وَوَاعَدَ أَصْحَابَهُ الْخُرُوجَ إِلَى ذَلِكَ هِلَالَ صَفَرٍ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِينَ، فَاجْتَمَعُوا عِنْدَهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَسَأَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنِ الْقِتَالِ قَبْلَ الدُّعَاءِ أَمْ بَعْدَهُ؟ فَقَالَ: بَلْ نَدْعُوهُمْ، فَإِنَّهُ أَقْطَعُ لِحُجَّتِهِمْ. فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ تَرَى فِيمَنْ قَاتَلَنَا فَظَفِرْنَا بِهِ، مَا تَقُولُ فِي دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ؟ فَقَالَ لَهُمْ: إِنْ قَتَلْنَا وَغَنِمْنَا فَلَنَا، وَإِنْ عَفَوْنَا فَمُوَسَّعٌ عَلَيْنَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute