للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ]

٣٩ -

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ

ذكر سَرَايَا أَهْلِ الشَّامِ إِلَى بِلَادِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ فَرَّقَ مُعَاوِيَةُ جُيُوشَهُ فِي الْعِرَاقِ فِي أَطْرَافِ عَلِيٍّ، فَوَجَّهَ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ فِي أَلْفِ رَجُلٍ إِلَى عَيْنِ التَّمْرِ، وَفِيهَا مَالِكُ بْنُ كَعْبٍ مَسْلَحَةٌ لَعَلِيٍّ فِي أَلْفِ رَجُلٍ، وَكَانَ مَالِكٌ قَدْ أَذِنَ لِأَصْحَابِهِ فَأَتَوُا الْكُوفَةَ، وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلَّا مِائَةُ رَجُلٍ، فَلَمَّا سَمِعَ بِالنُّعْمَانِ كَتَبَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يُخْبِرُهُ وَيَسْتَمِدُّهُ، فَخَطَبَ عَلِيٌّ النَّاسَ وَأَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ إِلَيْهِ، فَتَثَاقَلُوا، وَوَاقَعَ مَالِكٌ النُّعْمَانَ، وَجَعَلَ جِدَارَ الْقَرْيَةِ فِي ظُهُورِ أَصْحَابِهِ، وَكَتَبَ مَالِكٌ إِلَى مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ يَسْتَعِينُهُ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْهُ، وَاقْتَتَلَ مَالِكٌ وَالنُّعْمَانُ أَشَدَّ قِتَالٍ، فَوَجَّهَ مِخْنَفُ ابْنَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ فِي خَمْسِينَ رَجْلًا، فَانْتَهَوْا إِلَى مَالِكٍ وَقَدْ كَسَرُوا جُفُونَ سُيُوفِهِمْ وَاسْتَقْتَلُوا، فَلَمَّا رَآهُمْ أَهْلُ الشَّامِ انْهَزَمُوا عِنْدَ الْمَسَاءِ، وَظَنُّوا أَنَّ لَهُمْ مَدَدًا، وَتَبِعَهُمْ مَالِكٌ فَقَتَلَ مِنْهُمْ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ.

وَلَمَّا تَثَاقَلَ أَهْلُ الْكُوفَةِ عَنِ الْخُرُوجِ إِلَى مَالِكٍ صَعِدَ عَلِيٌّ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ، كُلَّمَا سَمِعْتُمْ بِجَمْعٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ أَظَلَّكُمُ انْجَحَرَ كُلُّ امْرِئٍ مِنْكُمْ فِي بَيْتِهِ، وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ انْجِحَارَ الضَّبِّ فِي جُحْرِهِ وَالضَّبُعِ فِي وِجَارِهَا، الْمَغْرُورُ مَنْ غَرَرْتُمُوهُ، وَمَنْ فَازَ بِكُمْ فَازَ بِالسَّهْمِ الْأَخْيَبِ، لَا أَحْرَارَ عِنْدَ النِّدَاءِ، وَلَا إِخْوَانَ عِنْدَ النِّجَاءِ! وَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ! مَاذَا مُنِيتُ بِهِ مِنْكُمْ؟ عُمْيٌ لَا يُبْصِرُونَ، وَبُكْمٌ لَا يَنْطِقُونَ، وَصُمٌّ لَا يَسْمَعُونَ! إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>