[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ]
٥٨٧ -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ
ذِكْرُ حَصْرِ عِزِّ الدِّينِ صَاحِبِ الْمَوْصِلِ الْجَزِيرَةَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، سَارَ أَتَابِكْ عِزُّ الدِّينِ مَسْعُودُ بْنُ مَوْدُودِ بْنِ زِنْكِيٍّ صَاحِبُ الْمَوْصِلِ إِلَى جَزِيرَةِ ابْنِ عُمَرَ، فَحَصَرَهَا، وَكَانَ بِهَا صَاحِبُهَا سَنْجَرْ شَاهْ بْنُ سَيْفِ الدِّينِ غَازِي بْنِ مَوْدُودٍ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي عِزِّ الدِّينِ.
وَكَانَ سَبَبُ حَصْرِهِ أَنَّ سَنْجَرْ شَاهْ كَانَ كَثِيرَ الْأَذَى لِعَمِّهِ عِزِّ الدِّينِ، وَالشَّنَاعَةِ عَلَيْهِ وَالْمُرَاسَلَةِ إِلَى صَلَاحِ الدِّينِ فِي حَقِّهِ، تَارَةً يَقُولُ إِنَّهُ يُرِيدُ قَصْدَ بِلَادِكَ، وَتَارَةً يَقُولُ إِنَّهُ يُكَاتِبُ أَعْدَاءَكَ وَيَحُثُّهُمْ عَلَى قَصْدِكَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُؤْذِيَةِ.
وَعِزُّ الدِّينِ يَصْبِرُ مِنْهُ عَلَى مَا يَكْرَهُ لِأُمُورٍ: تَارَةً لِلرَّحِمِ، وَتَارَةً خَوْفًا مِنْ تَسْلِيمِهَا إِلَى صَلَاحِ الدِّينِ، فَلَمَّا كَانَ فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ سَارَ صَاحِبُهَا إِلَى صَلَاحِ الدِّينِ، وَهُوَ عَلَى عَكَّا، فِي جُمْلَةِ مَنْ سَارَ مِنْ أَصْحَابِ الْأَطْرَافِ، وَأَقَامَ عِنْدَهُ قَلِيلًا، وَطَلَبَ دُسْتُورًا لِلْعَوْدِ إِلَى بَلَدِهِ.
فَقَالَ لَهُ صَلَاحُ الدِّينِ: عِنْدَنَا مِنْ أَصْحَابِ الْأَطْرَافِ جَمَاعَةً مِنْهُمْ عِمَادُ الدِّينِ، صَاحِبُ سِنْجَارَ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْكَ، وَمِنْهُمُ ابْنُ عَمِّكَ عِزُّ الدِّينِ، وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْكَ، وَغَيْرُهُمْ، وَمَتَى فَتَحْتَ هَذَا الْبَابَ اقْتَدَى بِكَ غَيْرُكَ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى قَوْلِهِ، وَأَصَرَّ عَلَى ذَلِكَ.
وَكَانَ عِنْدَ صَلَاحِ الدِّينِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْجَزِيرَةِ يَسْتَغِيثُونَ عَلَى سَنْجَرْ شَاهْ لِأَنَّهُ ظَلَمَهُمْ، وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ وَأَمْلَاكَهُمْ، فَكَانَ يَخَافُهُ لِهَذَا.
وَلَمْ يَزَلْ فِي طَلَبِ الْإِذْنِ فِي الْعَوْدِ إِلَى لَيْلَةِ الْفِطْرِ مِنْ سَنَةِ سِتٍّ وَثَمَانِينَ [وَخَمْسِمِائَةٍ] ، فَرَكِبَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي السَّحَرِ وَجَاءَ إِلَى خَيْمَةِ صَلَاحِ الدِّينِ وَأَذِنَ لِأَصْحَابِهِ فِي الْمَسِيرِ، فَسَارُوا بِالْأَثْقَالِ، وَبَقِيَ جَرِيدَةٌ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى خَيْمَةِ صَلَاحِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute