وَقِيلَ: إِنَّ عَمْرًا لَمَّا بَلَغَهُ قَتْلُ عُثْمَانَ قَالَ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، أَنَا قَتَلْتُهُ، وَأَنَا بَوَادِي السِّبَاعِ، إِنْ يَلِ هَذَا الْأَمْرَ طَلْحَةُ فَهُوَ فَتَى الْعَرَبِ سَيْبًا، وَإِنْ يَلِهِ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ فَهُوَ أَكْرَهُ مَنْ يَلِيهِ إِلَيَّ. فَبَلَغَهُ بَيْعَةُ عَلِيٍّ، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، وَأَقَامَ يَنْتَظِرُ مَا يَصْنَعُ النَّاسُ، فَأَتَاهُ مَسِيرُ عَائِشَةَ، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرِ، فَأَقَامَ يَنْتَظِرُ مَا يَصْنَعُونَ، فَأَتَاهُ الْخَبَرُ بِوَقْعَةِ الْجَمَلِ، فَأُرْتِجَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ، فَسَمِعَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ لَا يُبَايِعُ عَلِيًّا، وَأَنَّهُ يُعَظِّمُ شَأْنَ عُثْمَانَ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ عَلِيٍّ، فَدَعَا ابْنَيْهِ عَبْدَ اللَّهِ وَمُحَمَّدًا فَاسْتَشَارَهُمَا وَقَالَ: مَا تَرَيَانِ؟ أَمَّا عَلِيٌّ فَلَا خَيْرَ عِنْدَهُ، وَهُوَ يَدُلُّ بِسَابِقَتِهِ، وَهُوَ غَيْرُ مُشْرِكِي فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ. فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ وَهُمْ عَنْكَ رَاضُونَ، فَأَرَى أَنْ تَكُفَّ يَدَكَ وَتَجْلِسَ فِي بَيْتِكَ حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ [عَلَى إِمَامٍ فَتُبَايِعَهُ] . وَقَالَ لَهُ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ: أَنْتَ نَابٌ مِنْ أَنْيَابِ الْعَرَبِ وَلَا أَرَى أَنْ [يَجْتَمِعَ هَذَا الْأَمْرُ] وَلَيْسَ لَكَ فِيهِ صَوْتٌ. فَقَالَ عَمْرٌو: أَمَّا أَنْتَ يَا عَبْدَ اللَّهِ فَأَمَرْتَنِي بِمَا هُوَ خَيْرٌ لِي فِي آخِرَتِي وَأَسْلَمُ لِي فِي دِينِي، وَأَمَّا أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ فَأَمَرْتَنِي بِمَا هُوَ خَيْرٌ لِي فِي دُنْيَايَ، وَشَرٌّ لِي فِي آخِرَتِي. ثُمَّ خَرَجَ وَمَعَهُ ابْنَاهُ حَتَّى قَدِمَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَوَجَدَ أَهْلَ الشَّامِ يَحُضُّونَ مُعَاوِيَةَ عَلَى الطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ، وَقَالَ عَمْرٌو: أَنْتُمْ عَلَى الْحَقِّ، اطْلُبُوا بِدَمِ الْخَلِيفَةِ الْمَظْلُومِ، وَمُعَاوِيَةُ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ لِعَمْرٍو ابْنَاهُ: أَلَا تَرَى مُعَاوِيَةَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْكَ؟ فَانْصَرِفْ إِلَى غَيْرِهِ. فَدَخَلَ عَمْرٌو عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لَهُ: وَاللَّهِ لَعَجَبٌ لَكَ! إِنِّي أَرْفِدُكَ بِمَا أَرْفِدُكَ وَأَنْتَ مُعْرِضٌ عَنِّي، [أَمَا وَاللَّهِ] إِنْ قَاتَلْنَا مَعَكَ نَطْلُبُ بِدَمِ الْخَلِيفَةِ إِنَّ فِي النَّفْسِ [مِنْ ذَلِكَ] مَا فِيهَا، حَيْثُ تُقَاتِلُ مَنْ تَعْلَمُ سَابِقَتَهُ وَفَضْلَهُ وَقَرَابَتَهُ، وَلَكِنَّا أَرَدْنَا هَذِهِ الدُّنْيَا. فَصَالَحَهُ مُعَاوِيَةُ وَعَطَفَ عَلَيْهِ.
[ذكر ابْتِدَاءِ وَقْعَةِ صِفِّينَ]
لَمَّا عَادَ عَلِيٌّ مِنَ الْبَصْرَةِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الْجَمَلِ قَصَدَ الْكُوفَةَ، وَأَرْسَلَ إِلَى جَرِيرِ بْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute