عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ، وَكَانَ عَامِلًا عَلَى هَمَذَانَ اسْتَعْمَلَهُ عُثْمَانُ، وَإِلَى الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ، وَكَانَ عَلَى أَذْرَبَيْجَانَ اسْتَعْمَلَهُ عُثْمَانُ أَيْضًا، يَأْمُرُهُمَا بِأَخْذِ الْبَيْعَةِ وَالْحُضُورِ عِنْدَهُ، فَلَمَّا حَضَرَا عِنْدَهُ، أَرَادَ عَلِيٌّ أَنْ يُرْسِلَ رَسُولًا إِلَى مُعَاوِيَةَ، قَالَ جَرِيرٌ: أَرْسِلْنِي إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ لِي وُدٌّ. فَقَالَ الْأَشْتَرُ: لَا تَفْعَلْ فَإِنَّ هَوَاهُ مَعَ مُعَاوِيَةَ. فَقَالَ عَلِيٌّ: دَعْهُ حَتَّى نَنْظُرَ مَا الَّذِي يَرْجِعُ إِلَيْنَا بِهِ. فَبَعَثَهُ وَكَتَبَ مَعَهُ كِتَابًا إِلَى مُعَاوِيَةَ يُعْلِمُهُ فِيهِ بِاجْتِمَاعِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ عَلَى بَيْعَتِهِ (وَنَكْثِ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَحَرْبِهِ إِيَّاهُمَا وَيَدْعُوهُ إِلَى الدُّخُولِ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ مِنْ طَاعَتِهِ) .
فَسَارَ جَرِيرٌ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ مَاطَلَهُ وَاسْتَنْظَرَهُ وَاسْتَشَارَ عَمْرًا، فَأَشَارَ عَلَيْهِ أَنْ يَجْمَعَ أَهْلَ الشَّامِ، وَيُلْزِمَ عَلِيَّا دَمَ عُثْمَانَ وَيُقَاتِلَهُ بِهِمْ، فَفَعَلَ مُعَاوِيَةُ ذَلِكَ، وَكَانَ أَهْلُ الشَّامِ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِمُ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ بِقَمِيصِ عُثْمَانَ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ مَخْضُوبًا بِالدَّمِ بِأَصَابِعِ زَوْجَتِهِ نَائِلَةَ، إِصْبَعَانِ مِنْهَا وَشَيْءٌ مِنَ الْكَفِّ وَإِصْبَعَانِ مَقْطُوعَتَانِ مِنْ أُصُولِهِمَا، وَنِصْفُ الْإِبْهَامِ، وَضَعَ مُعَاوِيَةُ الْقَمِيصَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَجَمَعَ الْأَجْنَادَ إِلَيْهِ، فَبَكَوْا عَلَى الْقَمِيصِ مُدَّةً وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَالْأَصَابِعُ مُعَلَّقَةٌ فِيهِ، وَأَقْسَمَ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ أَنْ لَا يَمَسَّهُمُ الْمَاءُ إِلَّا لِلْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَأَنْ لَا يَنَامُوا عَلَى الْفُرُشِ حَتَّى يَقْتُلُوا قَتَلَةَ عُثْمَانَ، وَمَنْ قَامَ دُونَهُمْ قَتَلُوهُ. فَلَمَّا عَادَ جَرِيرٌ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ، وَأَخْبَرَهُ خَبَرَ مُعَاوِيَةَ، وَاجْتِمَاعَ أَهْلِ الشَّامِ مَعَهُ عَلَى قِتَالِهِ، وَأَنَّهُمْ يَبْكُونَ عَلَى عُثْمَانَ وَيَقُولُونَ: إِنَّ عَلِيًّا قَتَلَهُ وَآوَى قَتَلَتَهُ، وَأَنَّهُمْ لَا يَنْتَهُونَ عَنْهُ حَتَّى يَقْتُلَهُمْ أَوْ يَقْتُلُوهُ، قَالَ الْأَشْتَرُ لِعَلِيٍّ: قَدْ كُنْتُ نَهَيْتُكَ أَنْ تُرْسِلَ جَرِيرًا، وَأَخْبَرْتُكَ بِعَدَاوَتِهِ وَغِشِّهِ، وَلَوْ كُنْتَ أَرْسَلْتَنِي لَكَانَ خَيْرًا مِنْ هَذَا الَّذِي أَقَامَ عِنْدَهُ حَتَّى لَمْ يَدَعْ بَابًا يَرْجُو فَتْحَهُ إِلَّا فَتْحَهُ، وَلَا بَابًا يَخَافُ مِنْهُ إِلَّا أَغْلَقَهُ. فَقَالَ جَرِيرٌ: لَوْ كُنْتَ ثَمَّ لَقَتَلُوكَ، لَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّكَ مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ. فَقَالَ الْأَشْتَرُ: وَاللَّهِ لَوْ أَتَيْتُهُمْ لَمْ يُعْيِنِي جَوَابُهُمْ وَلَحَمَلْتُ مُعَاوِيَةَ عَلَى خُطَّةٍ أُعْجِلُهُ فِيهَا عَنِ الْفِكْرِ، وَلَوْ أَطَاعَنِي [فِيكِ] أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لِحَبَسَكَ وَأَشْبَاهَكَ حَتَّى يَسْتَقِيمَ هَذَا الْأَمْرُ. فَخَرَجَ جَرِيرٌ إِلَى قَرْقِيسْيَا وَكَتَبَ إِلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute