[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ]
٥٨٥ -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ
ذِكْرُ فَتْحِ شَقِيفِ أَرْنُوَنَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، سَارَ صَلَاحُ الدِّينِ إِلَى شَقِيفِ أَرْنُوَنَ، وَهُوَ مِنْ أَمْنَعِ الْحُصُونِ، لِيَحْصُرَهُ، فَنَزَلَ صَاحِبُ الشَّقِيفِ، وَهُوَ أَرْنَاطُ صَاحِبُ صَيْدَا، وَكَانَ أَرْنَاطُ هَذَا لَمِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ دَهَاءً وَمَكْرًا، فَدَخَلَ إِلَيْهِ وَاجْتَمَعَ بِهِ، وَأَظْهَرَ لَهُ الطَّاعَةَ وَالْمَوَدَّةَ.
وَقَالَ لَهُ: أَنَا مُحِبٌّ لَكَ، وَمُعْتَرِفٌ بِإِحْسَانِكَ، وَأَخَافُ أَنْ يَعْرِفَ الْمَرْكِيسُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ، فَيَنَالَ أَوْلَادِي وَأَهْلِي مِنْهُ أَذًى، فَإِنَّهُمْ عِنْدَهُ، فَأَشْتَهِي أَنْ تُمْهِلَنِي حَتَّى أَتَوَصَّلَ فِي تَخْلِيصِهِمْ مِنْ عِنْدِهِ، وَحِينَئِذٍ أَحْضُرُ أَنَا وَهُمْ عِنْدَكَ، وَنُسَلِّمُ الْحِصْنَ إِلَيْكَ، وَنَكُونُ فِي خِدْمَتِكَ، نَقْنَعُ بِمَا تُعْطِينَا مِنْ إِقْطَاعٍ فَظَنَّ صَلَاحُ الدِّينِ صِدْقَهُ، فَأَجَابَهُ إِلَى مَا سَأَلَ، فَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ بَيْنَهُمَا أَنْ يُسَلِّمَ الشَّقِيفَ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ.
وَأَقَامَ صَلَاحُ الدِّينِ بِمَرْجِ عُيُونٍ يَنْتَظِرُ الْمِيعَادَ، وَهُوَ قَلِقٌ مُفَكِّرٌ، لِقُرْبِ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْهُدْنَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْمُنْدِ، صَاحِبِ أَنْطَاكِيَةَ، فَأَمَرَ تَقِيَّ الدِّينِ ابْنَ أَخِيهِ أَنْ يَسِيرَ فِي مَنْ مَعَهُ مِنْ عَسَاكِرِهِ، وَمَنْ يَأْتِي مِنْ بِلَادِ الْمَشْرِقِ، وَيَكُونَ مُقَابِلَ أَنْطَاكِيَةَ لِئَلَّا يُغِيرَ صَاحِبُهَا عَلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْهُدْنَةِ.
وَكَانَ أَيْضًا مُنْزَعِجَ الْخَاطِرِ، كَثِيرَ الْهَمِّ، لِمَا بَلَغَهُ مِنِ اجْتِمَاعِ الْفِرِنْجِ بِمَدِينَةِ صُورَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute