للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِدْمًا أَبَاحُوا حِمَاكُمْ بِالسُّيُوفِ وَلَمْ

يَفْعَلْ بِكُمْ أَحَدٌ مِثْلَ الَّذِي فَعَلُوا

وَكَانَ رَئِيسَ الْأَوْسِ يَوْمَئِذٍ فِي حَرْبِ حَاطِبٍ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ الْوَائِلِيُّ، فَقَامَ فِي حَرْبِهِمْ وَهَجَرَ الرَّاحَةَ، فَشَحُبَ وَتَغَيَّرَ. وَجَاءَ يَوْمًا إِلَى امْرَأَتِهِ فَأَنْكَرَتْهُ حَتَّى عَرَفَتْهُ بِكَلَامِهِ، فَقَالَتْ: لَقَدْ أَنْكَرْتُكَ حَتَّى تَكَلَّمْتَ! فَقَالَ:

قَالَتْ وَلَمْ تَقْصِدْ لِقِيلِ الْخَنَا ... مَهْلًا فَقَدْ أَبْلَغْتَ أَسْمَاعِي

وَاسْتَنْكَرَتْ لَهُ لَوْنًا شَاحِبًا ... وَالْحَرْبُ غُولٌ ذَاتُ أَوْجَاعِ

مَنْ يَذُقِ الْحَرْبَ يَجِدْ طَعْمَهَا ... مُرًّا وَتَتْرُكُهُ بِجَعْجَاعِ

قَدْ حَصَّتِ الْبَيْضَةُ رَأْسِي فَمَا ... أَطْعَمُ نَوْمًا غَيْرَ تَهْجَاعِ

أَسْعَى عَلَى جُلِّ بَنِي مَالِكٍ ... كُلُّ امْرِئِ فِي شَأْنِهِ سَاعِي

أَعْدَدْتُ لِلْأَعْدَاءِ مَوْضُونَةً ... فَضْفَاضَةً كَالنِّهْيِ بِالْقَاعِ

أَحْفِزُهَا عَنِّي بِذِي رَوْنَقٍ ... مُهَنَّدٍ كَاللَّمْعِ قَطَّاعِ

صِدْقٍ حُسَامٍ وَادِقٍ حَدُّهُ ... وَمُنْحَنٍ أَسْمَرَ قَرَّاعِ

وَهِيَ طَوِيلَةٌ. ثُمَّ إِنَّ أَبَا قَيْسِ بْنَ الْأَسْلَتِ جَمَعَ الْأَوْسَ وَقَالَ لَهُمْ: مَا كُنْتُ رَئِيسَ قَوْمٍ قَطُّ إِلَّا هُزِمُوا، فَرَئِّسُوا عَلَيْكُمْ مَنْ أَحْبَبْتُمْ، فَرَأَّسُوا عَلَيْهِمْ حُضَيْرَ الْكَتَائِبِ بْنَ السَّمَاكِ الْأَشْهَلِيَّ، وَهُوَ وَالِدُ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ. لِوَلَدِهِ صُحْبَةٌ، وَهُوَ بَدْرِيٌّ، فَصَارَ حُضَيْرٌ يَلِي أُمُورَهُمْ فِي حُرُوبِهِمْ، فَالْتَقَى الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ الْغَرْسُ، فَكَانَ الظَّفَرَ لِلْأَوْسِ، ثُمَّ تَرَاسَلُوا فِي الصُّلْحِ فَاصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يَحْسِبُوا الْقَتْلَى فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ الْفَضْلُ أُعْطِيَ الدِّيَةَ، فَأَفْضَلَتِ الْأَوْسُ عَلَى الْخَزْرَجِ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ، فَدَفَعَتِ الْخَزْرَجُ ثَلَاثَةَ غِلْمَةٍ مِنْهُمْ رَهْنًا بِالدِّيَاتِ، فَغَدَرَتِ الْأَوْسُ فَقَتَلَتِ الْغِلْمَانَ.

[يَوْمُ الْفِجَارِ الْأَوَّلِ لِلْأَنْصَارِ]

وَلَيْسَ بِفِجَارِ كِنَانَةَ وَقَيْسٍ. فَلَمَّا قَتَلَتِ الْأَوْسُ الْغِلْمَانَ جَمَعَتِ الْخَزْرَجُ وَحَشَدُوا وَالْتَقَوْا بِالْحَدَائِقِ، وَعَلَى الْخَزْرَجِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ، وَعَلَى الْأَوْسِ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يُفْنِي بَعْضًا. وَسُمِّيَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ الْفِجَارِ لِغَدْرِهِمْ بِالْغِلْمَانِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>