هَؤُلَاءِ الْأَعْبُدَ كَيْفَ رَأَوْنِي أَمُسْتَقْبِلُهُمْ أَمْ مُسْتَدْبِرُهُمْ، وَكَيْفَ رَأَوُا الْمَرْأَةَ أَوْ عَرَفُوهَا، فَإِنْ كَانُوا مُسْتَقْبِلِيَّ فَكَيْفَ لَمْ أَسْتَتِرْ، أَوْ مُسْتَدْبِرِيَّ فَبِأَيِّ شَيْءٍ اسْتَحَلُّوا النَّظَرَ إِلَيَّ فِي مَنْزِلِي عَلَى امْرَأَتِي؟ وَاللَّهِ مَا أَتَيْتُ إِلَّا امْرَأَتِي! وَكَانَتْ تُشْبِهُهَا. فَشَهِدَ أَبُو بَكْرَةَ أَنَّهُ رَآهُ عَلَى أُمِّ جَمِيلٍ يُدْخِلُهُ كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ، وَأَنَّهُ رَآهُمَا مُسْتَدْبِرَيْنِ، وَشَهِدَ شِبْلٌ وَنَافِعٌ مِثْلَ ذَلِكَ. وَأَمَّا زِيَادٌ فَإِنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُهُ جَالِسًا بَيْنَ رِجْلَيِ امْرَأَةٍ، فَرَأَيْتُ قَدَمَيْنِ مَخْضُوبَتَيْنِ تَخْفِقَانِ، وَاسْتَيْنِ مَكْشُوفَتَيْنِ وَسَمِعْتُ حَفْزًا شَدِيدًا. قَالَ: هَلْ رَأَيْتَ كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: هَلْ تَعْرِفُ الْمَرْأَةَ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنْ أُشَبِّهُهَا. قَالَ: فَتَنَحَّ. وَأَمَرَ بِالثَّلَاثَةِ فَجُلِدُوا الْحَدَّ. فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: اشْفِنِي مِنَ الْأَعْبُدِ. قَالَ: اسْكُتْ أَسْكَتَ اللَّهُ نَأْمَتَكَ، أَمَا وَاللَّهِ لَوْ تَمَّتِ الشَّهَادَةُ لَرَجَمْتُكَ بِأَحْجَارِكَ!
[ذكر الْخَبَرِ عَنْ فَتْحِ الْأَهْوَازِ وَمَنَاذِرَ وَنَهْرِ تِيرَى]
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ فُتِحَتِ الْأَهْوَازُ وَمَنَاذِرُ وَنَهْرُ تِيرَى، وَقِيلَ: كَانَتْ سِتَ عَشْرَةَ.
وَكَانَ السَّبَبُ فِي هَذَا الْفَتْحِ أَنَّهُ لَمَّا انْهَزَمَ الْهُرْمُزَانُ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ، وَهُوَ أَحَدُ الْبُيُوتَاتِ السَّبْعَةِ فِي أَهْلِ فَارِسَ، وَكَانَتْ أُمَّتَهُ مِنْهُمْ مِهْرَجَانْقَذَقَ وَكُوَرَ الْأَهْوَازِ، فَلَمَّا انْهَزَمَ قَصَدَ خُوزِسْتَانَ فَمَلَكَهَا وَقَاتَلَ بِهَا مَنْ أَرَادَهُمْ، فَكَانَ الْهُرْمُزَانُ يُغِيرُ عَلَى أَهْلِ مَيْسَانَ وَدَسْتِمَيْسَانَ مِنْ مَنَاذِرَ وَنَهْرِ تِيرَى. فَاسْتَمَدَّ عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ سَعْدًا فَأَمَدَّهُ بِنُعَيْمِ بْنِ مُقَرِّنٍ وَنُعَيْمِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَأَمَرَهُمَا أَنْ يَأْتِيَا أَعْلَى مَيْسَانَ وَدَسْتِمَيْسَانَ حَتَّى يَكُونَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ نَهْرِ تِيرَى، وَوَجَّهَ عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ سُلْمَى بْنَ الْقَيْنِ وَحَرْمَلَةَ بْنَ مُرَيْطَةَ، وَكَانَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمَا مِنْ بَنِي الْعَدَوِيَّةِ مِنْ بَنِي حَنْظَلَةَ، فَنَزَلَا عَلَى حُدُودِ مَيْسَانَ وَدَسْتِمَيْسَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنَاذِرَ، وَدَعَوْا بَنِي الْعَمِّ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ غَالِبٌ الْوَائِلِيُّ وَكُلَيْبُ بْنُ وَائِلٍ الْكُلَيْبِيُّ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute