[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ]
٣٥٠ -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ
ذِكْرُ بِنَاءِ مُعِزِّ الدَّوْلَةِ دَوْرَهُ بِبَغْدَاذَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي الْمُحَرَّمِ، مَرِضَ مُعِزُّ الدَّوْلَةِ، وَامْتَنَعَ عَلَيْهِ الْبَوْلُ، ثُمَّ كَانَ يَبُولُ بَعْدَ جَهْدٍ وَمَشَقَّةٍ دَمًا، وَتَبِعَهُ الْبَوْلُ، وَالْحَصَى، وَالرَّمْلُ، فَاشْتَدَّ جَزَعُهُ وَقَلَقُهُ، وَأَحْضَرَ الْوَزِيرَ الْمُهَلَّبِيَّ، وَالْحَاجِبَ سُبُكْتِكِينَ، فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمَا، وَوَصَّاهُمَا بِابْنِهِ بَخْتِيَارَ، وَسَلَّمَ جَمِيعَ مَالِهِ إِلَيْهِ.
ثُمَّ إِنَّهُ عُوفِيَ، فَعَزَمَ عَلَى الْمَسِيرِ إِلَى الْأَهْوَازِ ; لِأَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّ مَا اعْتَادَهُ مِنَ الْأَمْرَاضِ إِنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ مَقَامِهِ بِبَغْدَاذَ، وَظَنَّ أَنَّهُ إِنْ عَادَ إِلَى الْأَهْوَازِ، عَاوَدَهُ مَا كَانَ فِيهِ مِنَ الصِّحَّةِ، وَنَسِيَ الْكِبَرَ وَالشَّبَابَ، فَلَمَّا انْحَدَرَ إِلَى كَلْوَاذَى لِيَتَوَجَّهَ إِلَى الْأَهْوَازِ، أَشَارَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ بِالْمَقَامِ، وَأَنْ يُفَكِّرَ فِي هَذِهِ الْحَرَكَةِ وَلَا يُعَجِّلَ، فَأَقَامَ بِهَا، وَلَمْ يُؤْثِرْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ انْتِقَالَهُ لِمُفَارَقَةِ أَوْطَانِهِمْ وَأَسَفًا عَلَى بَغْدَاذَ كَيْفَ تُخَرَّبُ بِانْتِقَالِ دَارِ الْمُلْكِ عَنْهَا، فَأَشَارُوا عَلَيْهِ بِالْعَوْدِ إِلَى بَغْدَاذَ، (وَأَنْ يَبْنِيَ بِهَا) لَهُ دَارًا فِي أَعْلَى بَغْدَاذَ لِتَكُونَ أَرَقَّ هَوَاءً، وَأَصْفَى مَاءً، فَفَعَلَ، وَشَرَعَ فِي بِنَاءِ دَارِهِ فِي مَوْضِعِ الْمُسَنَّاةِ الْمُعِزِّيَّةِ، فَكَانَ مَبْلَغُ مَا خَرَجَ عَلَيْهَا (إِلَى أَنْ مَاتَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ) أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَاحْتَاجَ بِسَبَبِ ذَلِكَ إِلَى مُصَادَرَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute