[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ]
١٥٨ -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ
ذِكْرُ عَزْلِ مُوسَى عَنِ الْمَوْصِلِ وَوِلَايَةِ خَالِدِ بْنِ بَرْمَكٍ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَزَلَ الْمَنْصُورُ مُوسَى بْنَ كَعْبٍ عَنِ الْمَوْصِلِ، وَكَانَ قَدْ بَلَغَهُ عَنْهُ مَا أَسْخَطَهُ عَلَيْهِ، فَأَمَرَ ابْنَهُ الْمَهْدِيَّ أَنْ يَسِيرَ إِلَى الرَّقَّةِ، وَأَظْهَرَ أَنَّهُ يُرِيدُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَجْعَلَ طَرِيقَهُ عَلَى الْمَوْصِلِ، فَإِذَا صَارَ بِالْبَلَدِ أَخَذَ مُوسَى وَقَيَّدَهُ وَاسْتَعْمَلَ خَالِدَ بْنَ بَرْمَكٍ.
وَكَانَ الْمَنْصُورُ قَدْ أَلْزَمَ خَالِدَ بْنَ بَرْمَكٍ ثَلَاثَةَ آلَافِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَأَجَّلَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ أَحْضَرَ الْمَالَ وَإِلَّا قَتَلَهُ، فَقَالَ لِابْنِهِ يَحْيَى: يَا بُنَيَّ الْقَ إِخْوَانَنَا عُمَارَةَ بْنَ حَمْزَةَ، وَمُبَارَكًا التُّرْكِيَّ، وَصَالِحًا صَاحِبَ الْمُصَلَّى (وَغَيْرَهُمْ) وَأَعْلِمْهُمْ حَالَنَا.
قَالَ يَحْيَى: فَأَتَيْتُهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَنِي الدُّخُولَ عَلَيْهِ وَوَجَّهَ الْمَالَ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَجَهَّمَنِي بِالرَّدِّ وَوَجَّهَ الْمَالَ [سِرًّا إِلَيَّ] . قَالَ: فَأَتَيْتُ عُمَارَةَ بْنَ حَمْزَةَ وَوَجْهُهُ إِلَى الْحَائِطِ، فَمَا أَقْبَلَ بِهِ عَلَيَّ، فَسَلَّمْتُ، فَرَدَّ رَدًّا ضَعِيفًا.
وَقَالَ: كَيْفَ أَبُوكَ؟ فَعَرَّفْتُهُ الْحَالَ، وَطَلَبْتُ قَرْضَ مِائَةِ أَلْفٍ، فَقَالَ: إِنْ أَمْكَنَنِي شَيْءٌ فَسَيَأْتِيكَ، فَانْصَرَفْتُ وَأَنَا أَلْعَنُهُ مِنْ تِيهِهِ، وَحَدَّثْتُ أَبِي بِحَدِيثِهِ، وَإِذْ قَدْ أَنْفَذَ الْمَالَ، قَالَ: فَجَمَعْنَا فِي يَوْمَيْنِ أَلْفَيْ أَلْفٍ وَسَبْعَمِائَةِ أَلْفٍ، وَبَقِيَ ثَلَاثُمِائَةِ أَلْفٍ تُبْطِلُ الْجَمِيعَ بِتَعَذُّرِهَا.
قَالَ: فَعَبَرْتُ عَلَى الْجِسْرِ وَأَنَا مَهْمُومٌ، فَوَثَبَ إِلَيَّ زَاجِرٌ فَقَالَ: فَرْخُ الطَّائِرِ أَخْبَرَكَ، فَطَوَيْتُهُ فَلَحِقَنِي، وَأَخَذَ بِلِجَامِ دَابَّتِي، وَقَالَ لِي: أَنْتَ مَهْمُومٌ، وَوَاللَّهِ لَتَفْرَحَنَّ وَلَتَمُرَّنَ غَدًا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَالدَّوَاءُ بَيْنَ يَدَيْكَ. فَعَجِبْتُ مِنْ قَوْلِهِ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ ذَلِكَ فَلِي عَلَيْكَ خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ. فَقُلْتُ: نَعَمْ! وَأَنَا أَسْتَبْعِدُ ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute