للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَوَرَدَ عَلَى الْمَنْصُورِ انْتِقَاضُ الْمَوْصِلِ وَالْجَزِيرَةِ، وَانْتِشَارُ الْأَكْرَادِ بِهَا، فَقَالَ: مَنْ لَهَا؟ فَقَالَ الْمُسَيَّبُ بْنُ زُهَيْرٍ: عِنْدِي رَأْيٌ أَعْلَمُ أَنَّكَ لَا تَقْبَلُهُ مِنِّي، وَأَعْلَمُ أَنَّكَ تَرُدُّهُ عَلَيَّ، وَلَكِنِّي لَا أَدَعُ نُصْحَكَ.

قَالَ: قُلْ! قُلْتُ: مَا لَهَا مِثْلُ خَالِدِ بْنِ بَرْمَكٍ. قَالَ: فَكَيْفَ يَصْلُحُ لَنَا بَعْدَ مَا فَعَلْنَا؟ قَالَ: إِنَّمَا قَوَّمْتَهُ بِذَلِكَ، وَأَنَا الضَّامِنُ لَهُ. قَالَ: فَلْيَحْضُرْنِي غَدًا، فَأَحْضَرَهُ، فَصَفَحَ لَهُ عَنِ الثَّلَاثِمِائَةِ أَلْفٍ الْبَاقِيَةِ، وَعَقَدَ لَهُ، وَعَقَدَ لِابْنِهِ يَحْيَى عَلَى أَذْرَبِيجَانَ.

فَاجْتَازَ يَحْيَى بِالزَّاجِرِ، فَأَخَذَهُ مَعَهُ، وَأَعْطَاهُ خَمْسِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَأَنْفَذَ خَالِدٌ إِلَى عُمَارَةَ بِالْمِائَةِ أَلْفٍ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْهُ مَعَ ابْنِهِ يَحْيَى، فَقَالَ لَهُ: صَيْرَفِيًّا كُنْتَ لِأَبِيكَ؟ قُمْ عَنِّي، لَا قُمْتَ! فَعَادَ بِالْمَالِ، وَسَارَ مَعَ الْمَهْدِيِّ، فَعَزَلَ مُوسَى بْنَ كَعْبٍ وَوَلَّاهُمَا.

فَلَمْ يَزَلْ خَالِدٌ عَلَى الْمَوْصِلِ، وَابْنُهُ يَحْيَى عَلَى أَذْرَبِيجَانَ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ الْمَنْصُورُ، فَذَكَرَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَوَّارٍ الْمَوْصِلِيُّ قَالَ: مَا هِبْنَا أَمِيرًا قَطُّ هَيْبَتَنَا خَالِدًا، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَدَّ عَلَيْنَا، وَلَكِنْ هَيْبَةً كَانَتْ لَهُ فِي صُدُورِنَا.

ذِكْرُ مَوْتِ الْمَنْصُورِ وَوَصِيَّتِهِ

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ الْمَنْصُورُ لِسِتٍّ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ بِبِئْرِ مَيْمُونٍ، وَكَانَ عَلَى مَا قِيلَ قَدْ هَتَفَ بِهِ هَاتِفٌ مِنْ قَصْرِهِ، فَسَمِعَهُ يَقُولُ:

أَمَا وَرَبِّ السُّكُونِ وَالْحَرَكِ ... إِنَّ الْمَنَايَا كَثِيرَةُ الشَّرَكِ

عَلَيْكِ، يَا نَفْسُ إِنْ أَسَأْتِ، وَإِنْ ... أَحْسَنْتِ بِالْقَصْدِ، كُلُّ ذَاكَ لَكِ

مَا اخْتَلَفَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا ... دَارَتْ نُجُومُ السَّمَاءِ فِي الْفَلَكِ

إِلَّا تَنَقَّلَ السُّلْطَانُ عَنْ مَلِكٍ ... إِذَا انْتَهَى مُلْكُهُ إِلَى مَلِكِ

حَتَّى يَصِيرَا بِهِ إِلَى مَلِكٍ ... مَا عِزُّ سُلْطَانِهِ بِمُشْتَرَكِ

<<  <  ج: ص:  >  >>