نَهَيْتُ بَنِي زَعْلٍ غَدَاةَ لَقِيتُهُمْ ... وَجَيْشَ نَصِيبٍ وَالظُّنُونُ تُطَاعُ
وَقُلْتُ لَهُمْ: إِنَّ الْحَرِيبَ وَرَاكِسًا ... بِهِ نَعَمٌ تَرْعَى الْمُرَارَ رِتَاعُ
وَلَكِنَّ فِيهِ الْمَوْتَ يَرْتَعُ سِرْبُهُ ... وَحُقَّ لَهُمْ أَنْ يَقْبَلُوا وَيُطَاعُوا
مَتَّى تَأْتِهِ تَلْقَى عَلَى الْمَاءِ حَارِثًا ... وَجَيْشًا لَهُ يُوفِي بِكُلِّ بِقَاعِ
[يَوْمُ جَدُودٍ]
وَهُوَ يَوْمٌ بَيْنَ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ وَبَنِي مِنْقَرٍ مِنْ تَمِيمٍ.
وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِ أَنَّ الْحَوْفَزَانَ، وَاسْمُهُ الْحَارِثُ بْنُ شَرِيكٍ الشَّيْبَانِيُّ، كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَنِي سَلِيطِ بْنِ يَرْبُوعٍ مُوَادَعَةٌ، فَهَمَّ بِالْغَدْرِ بِهِمْ وَجَمَعَ بَنِي شَيْبَانَ وَذُهْلًا وَاللَّهَازِمَ، وَعَلَيْهِمْ حُمْرَانُ بْنُ عَبْدِ عَمْرِو بْنِ بِشْرِ بْنِ عَمْرٍو. ثُمَّ غَزَا وَهُوَ يَرْجُو أَنْ يُصِيبَ غِرَّةً مِنْ بَنِي يَرْبُوعٍ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى بَنِي يَرْبُوعٍ نَذَرَ بِهِ عُتَيْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ شِهَابٍ فَنَادَى فِي قَوْمِهِ، فَحَالُوا بَيْنَ الْحَوْفَزَانِ وَبَيْنَ الْمَاءِ، فَقَالَ لِعُتْبَةَ: إِنِّي لَا أَرَى مَعَكَ إِلَّا رَهْطَكَ وَأَنَا فِي طَوَائِفَ مِنْ بَنِي بَكْرٍ، فَلَئِنْ ظَفِرْتُ بِكُمْ قَلَّ عَدَدُكُمْ وَطَمِعَ فِيكُمْ عَدُوُّكُمْ، وَلَئِنْ ظَفِرْتُمْ بِي مَا تَقْتُلُونَ إِلَّا أَقَاصِيَ عَشِيرَتِي، وَمَا إِيَّاكُمْ أَرَدْتُ، فَهَلْ لَكَمَ أَنْ تُسَالِمُونَا وَتَأْخُذُوا مَا مَعَنَا مِنَ التَّمْرِ، وَوَاللَّهِ لَا نُرَوِّعُ يَرْبُوعًا أَبَدًا. فَأَخَذَ مَا مَعَهُمْ مِنَ التَّمْرِ وَخَلَّى سَبِيلَهُمْ.
فَسَارَتْ بَكْرٌ حَتَّى أَغَارُوا عَلَى بَنِي رَبِيعِ بْنِ الْحَارِثِ، وَهُوَ مُقَاعِسٌ بِجَدُودٍ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ مُقَاعِسًا لِأَنَّهُ تَقَاعَسَ عَنْ حِلْفِ بَنِي سَعْدٍ، فَأَغَارَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ خُلُوفٌ فَأَصَابَ سَبْيًا وَنَعَمًا، فَبَعَثَ بَنُو رَبِيعٍ صَرِيخَهُمْ إِلَى بَنِي كُلَيْبٍ، فَلَمْ يُجِيبُوهُمْ، فَأَتَى الصَّرِيخُ بَنِي مِنْقَرِ بْنِ عُبَيْدٍ فَرَكِبُوا فِي الطَّلَبِ فَلَحِقُوا بَكْرَ بْنَ وَائِلٍ وَهُمْ مُقَاتِلُونَ، فَمَا شَعَرَ الْحَوْفَزَانُ وَهُوَ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ إِلَّا بِالْأَهْتَمِ بْنِ سُمَيِّ بْنِ سِنَانٍ الْمِنْقَرِيِّ وَاقِفًا عَلَى رَأْسِهِ، فَرَكِبَ فَرَسَهُ، فَنَادَى الْأَهْتَمُ: يَا آلَ سَعْدٍ! وَنَادَى الْحَوْفَزَانُ: يَا آلَ وَائِلٍ! وَلَحِقَ بَنُو مِنْقَرٍ فَقَاتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَهُزِمَتْ بَكْرٌ وَخَلَّوُا السَّبْيَ وَالْأَمْوَالَ، وَتَبِعَتْهُمْ مِنْقَرٌ، فَمِنْ قَتِيلٍ وَأَسِيرٍ، وَأَسَرَ الْأَهْتَمُ حُمْرَانَ بْنَ عَبْدِ عَمْرٍو، وَلَمْ يَكُنْ لِقَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ الْمِنْقَرِيِّ هِمَّةٌ إِلَّا الْحَوْفَزَانُ، فَتَبِعَهُ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute