بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَدَّقْتُ مَا جَاءَ بِهِ. قَالَ: فَضَرَبَ الْبَابَ فِي وَجْهِي وَقَالَ: قَبَّحَكَ اللَّهُ، وَقَبَّحَ مَا جِئْتَ بِهِ!
وَقِيلَ فِي إِسْلَامِهِ غَيْرُ هَذَا.
[ذِكْرُ أَمْرِ الصَّحِيفَةِ]
وَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ الْإِسْلَامَ يَفْشُو وَيَزِيدُ، وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَوُوا بِإِسْلَامِ حَمْزَةَ وَعُمَرَ، وَعَادَ إِلَيْهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ مِنَ النَّجَاشِيِّ بِمَا يَكْرَهُونَ مِنْ مَنْعِ الْمُسْلِمِينَ عَنْهُمْ وَأَمْنِهِمْ عِنْدَهُ، ائْتَمَرُوا فِي أَنْ يَكْتُبُوا بَيْنَهُمْ كِتَابًا يَتَعَاقَدُونَ فِيهِ عَلَى: أَنْ لَا يُنْكِحُوا بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَلَا يَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ، وَلَا يَبِيعُوهُمْ وَلَا يَبْتَاعُوا مِنْهُمْ شَيْئًا. فَكَتَبُوا بِذَلِكَ صَحِيفَةً وَتَعَاهَدُوا عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ عَلَّقُوا الصَّحِيفَةَ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ تَوْكِيدًا لِذَلِكَ الْأَمْرِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَلَمَّا فَعَلَتْ قُرَيْشٌ ذَلِكَ انْحَازَتْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ إِلَى أَبِي طَالِبٍ، فَدَخَلُوا مَعَهُ فِي شِعْبِهِ وَاجْتَمَعُوا.
وَخَرَجَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ أَبُو لَهَبِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلَى قُرَيْشٍ، فَلَقِيَ هِنْدًا بِنْتَ عُتْبَةَ فَقَالَ: كَيْفَ رَأَيْتِ نَصْرِي اللَّاتَ وَالْعُزَّى؟ قَالَتْ: لَقَدْ أَحْسَنْتَ. فَأَقَامُوا عَلَى ذَلِكَ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا حَتَّى جَهِدُوا لَا يَصِلُ إِلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ شَيْءٌ إِلَّا سِرًّا.
وَذَكَرُوا أَنَّ أَبَا جَهْلٍ لَقِيَ حَكِيمَ بْنَ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدٍ، وَمَعَهُ قَمْحٌ يُرِيدُ بِهِ عَمَّتَهُ خَدِيجَةَ، وَهِيَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الشِّعْبِ، فَتَعَلَّقَ بِهِ وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا تَبْرَحُ حَتَّى أَفْضَحَكَ. فَجَاءَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ بْنُ هِشَامٍ فَقَالَ: مَا لَكَ وَلَهُ؟ عِنْدَهُ طَعَامٌ لِعَمَّتِهِ أَفَتَمْنَعُهُ أَنْ يَحْمِلَهُ إِلَيْهَا؟ خَلِّ سَبِيلَهُ. فَأَبَى أَبُو جَهْلٍ، فَنَالَ مِنْهُ، فَضَرَبَهُ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ بِلِحْيِ جَمَلٍ فَشَجَّهُ وَوَطِئَهُ وَطْأً شَدِيدًا، وَحَمْزَةُ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَهُمْ يَكْرَهُونَ أَنْ يَبْلُغَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ فَيَشْمَتَ بِهِمْ هُوَ وَالْمُسْلِمُونَ. وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُو النَّاسَ سِرًّا وَجَهْرًا، وَالْوَحْيُ مُتَتَابِعٌ إِلَيْهِ، فَبَقُوا كَذَلِكَ ثَلَاثَ سِنِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute