وَقَامَ فِي نَقْضِ الصَّحِيفَةِ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانَ أَحْسَنَهُمْ بَلَاءً فِيهِ هِشَامُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرِو بْنِ لُؤَيٍّ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي نَضْلَةَ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ لِأُمِّهِ، وَكَانَ يَأْتِي بِالْبَعِيرِ قَدْ أَوْقَرَهُ طَعَامًا لَيْلًا وَيَسْتَقْبِلُ بِهِ الشِّعْبَ وَيَخْلَعُ خِطَامَهُ فَيَدْخُلُ الشِّعْبَ. فَلَمَّا رَأَى مَا هُمْ فِيهِ وَطُولَ الْمُدَّةِ عَلَيْهِمْ، مَشَى إِلَى زُهَيْرِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ، أَخِي أُمِّ سَلَمَةَ، وَكَانَ شَدِيدَ الْغَيْرَةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمِينَ، وَكَانَتْ أُمُّهُ عَاتِكَةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ: يَا زُهَيْرُ أَرَضِيتَ أَنْ تَأْكُلَ الطَّعَامَ، وَتَلْبَسَ الثِّيَابَ، وَتَنْكِحَ النِّسَاءَ وَأَخْوَالُكَ حَيْثُ عَلِمْتَ؟ أَمَا إِنِّي أَحْلِفُ بِاللَّهِ لَوْ كَانُوا أَخْوَالَ أَبِي الْحَكَمِ - يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ - ثُمَّ دَعَوْتَهُ إِلَى مِثْلِ مَا دَعَاكَ إِلَيْهِ مَا أَجَابَكَ أَبَدًا. فَمَاذَا أَصْنَعُ؟ وَإِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَاللَّهِ لَوْ كَانَ مَعِي رَجُلٌ آخَرُ لَنَقَضْتُهَا. فَقَالَ: قَدْ وَجَدْتَ رَجُلًا. قَالَ: وَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: أَنَا. قَالَ زُهَيْرٌ: ابْغِنَا ثَالِثًا، فَذَهَبَ إِلَى الْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فَقَالَ لَهُ: أَرَضِيتَ أَنْ يَهْلَكَ بَطْنَانِ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَأَنْتَ شَاهِدٌ ذَلِكَ مُوَافِقٌ فِيهِ؟ أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ أَمْكَنْتُمُوهُمْ مِنْ هَذِهِ لَتَجِدُنَّهُمْ إِلَيْهَا مِنْكُمْ سِرَاعًا قَالَ: مَا أَصْنَعُ؟ إِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ وَاحِدٌ. قَالَ: قَدْ وَجَدْتَ ثَانِيًا. قَالَ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: أَنَا قَالَ: ابْغِنَا ثَالِثًا. قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ. قَالَ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: زُهَيْرُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ. قَالَ: ابْغِنَا رَابِعًا. فَذَهَبَ إِلَى أَبِي الْبَخْتَرِيِّ بْنِ هِشَامٍ، وَقَالَ لَهُ نَحْوًا مِمَّا قَالَ لِلْمُطْعِمِ، قَالَ: وَهَلْ مِنْ أَحَدٍ يُعِينُ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: أَنَا وَزُهَيْرٌ وَالْمُطْعِمُ. قَالَ: ابْغِنَا خَامِسًا. فَذَهَبَ إِلَى زَمْعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدٍ، فَكَلَّمَهُ وَذَكَرَ لَهُ قَرَابَتَهُمْ، قَالَ: وَهَلْ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ مُعِينٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَسَمَّى لَهُ الْقَوْمَ، فَاتَّعَدُوا خَطْمَ الْحَجُونِ الَّذِي بِأَعْلَى مَكَّةَ، فَاجْتَمَعُوا هُنَالِكَ وَتَعَاهَدُوا عَلَى الْقِيَامِ فِي نَقْضِ الصَّحِيفَةِ. فَقَالَ زُهَيْرٌ: أَنَا أَبْدَأُكُمْ.
فَلَمَّا أَصْبَحُوا غَدَوْا إِلَى أَنْدِيَتِهِمْ، وَغَدَا زُهَيْرٌ فَطَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَنَأْكُلُ الطَّعَامَ وَنَلْبَسُ الثِّيَابَ وَبَنُو هَاشِمٍ هَلْكَى لَا يَبْتَاعُونَ وَلَا يُبْتَاعُ مِنْهُمْ؟ وَاللَّهِ لَا أَقْعُدُ حَتَّى تُشَقَّ هَذِهِ الصَّحِيفَةُ الْقَاطِعَةُ الظَّالِمَةُ. قَالَ أَبُو جَهْلٍ: كَذَبْتَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute