فَسَأَلَ هُرْمُزُ وَزِيرَهُ فَصَدَّقَهُ وَقَالَ: خِفْتُ أُعْلِمُكَ فَيُؤْذِينِي الْمَرْزُبَانُ. فَأَمَرَ هُرْمُزُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنَ الْمَرْزُبَانِ ضِعْفُ مَا أَخَذَ، وَأَنْ يَسْتَخْدِمَهُ صَاحِبُ الْقَرْيَةِ فِي أَيِّ شُغْلٍ شَاءَ سَنَتَيْنِ، وَعَزَلَ وَزِيرَهُ، وَقَالَ فِي نَفْسِهِ: إِذَا كَانَ الْوَزِيرُ يُرَاقِبُ الظَّالِمَ فَالْأَحْرَى أَنَّ غَيْرَهُ يُرَاقِبُهُ، فَأَمَرَ بِاتِّخَاذِ صُنْدُوقٍ، وَكَانَ يَقْفِلُهُ وَيَخْتِمُهُ بِخَاتَمٍ وَيُتْرَكُ عَلَى بَابِ دَارِهِ وَفِيهِ خَرْقٌ يُلْقَى فِيهِ رِقَاعُ الْمُتَظَلِّمِينَ، وَكَانَ يَفْتَحُهُ كُلَّ أُسْبُوعٍ وَيَكْشِفُ الْمَظَالِمَ، فَأَفْكَرَ وَقَالَ: أُرِيدُ أَعْرِفُ ظُلْمَ الرَّعِيَّةِ سَاعَةً فَسَاعَةً، فَاتَّخَذَ سِلْسِلَةً طَرَفُهَا فِي مَجْلِسِهِ فِي السَّقْفِ، وَالطَّرَفُ الْآخَرُ خَارِجَ الدَّارِ فِي رَوْزَنَةٍ وَفِيهَا جَرَسٌ، وَكَانَ الْمُتَظَلِّمُ يُحَرِّكُ السِّلْسِلَةَ فَيُحَرِّكُ الْجَرَسَ فَيَحْضُرُهُ وَيَكْشِفُ ظُلَامَتَهُ.
[ذِكْرُ مُلْكِ كِسْرَى أَبْرَوِيزَ بْنِ هُرْمُزَ]
وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ مُلُوكِهِمْ بَطْشًا، وَأَنْفَذِهِمْ رَأْيًا، وَبَلَغَ مِنَ الْبَأْسِ وَالنَّجْدَةِ وَجَمْعِ الْأَمْوَالِ وَمُسَاعَدَةِ الْأَقْدَارِ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ مَلِكٌ قَبْلَهُ، وَلِذَلِكَ لُقِّبَ أَبْرَوِيزَ، وَمَعْنَاهُ الْمُظَفَّرُ، وَكَانَ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ قَدْ سَعَى بِهِ بَهْرَامُ جُوبِينَ إِلَى أَبِيهِ أَنَّهُ يُرِيدُ الْمُلْكَ لِنَفْسِهِ، فَلَمَّا عَلِمَ ذَلِكَ سَارَ إِلَى أَذْرَبِيجَانَ سِرًّا، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، فَلَمَّا وَصَلَهَا بَايَعَهُ مَنْ كَانَ بِهَا مِنَ الْعُظَمَاءِ، وَاجْتَمَعَ مَنْ بِالْمَدَائِنِ عَلَى خَلْعِ أَبِيهِ، فَلَمَّا سَمِعَ أَبْرَوِيزُ بَادَرَ الْوُصُولَ إِلَى الْمَدَائِنِ قَبْلَ بَهْرَامَ جُوبِينَ، فَدَخَلَهَا قَبْلَهُ وَلَبِسَ التَّاجَ وَجَلَسَ عَلَى السَّرِيرِ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى أَبِيهِ، وَكَانَ قَدْ سُمِلَ، فَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ بَرِيءٌ مِمَّا فُعِلَ بِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ هَرَبُهُ لِلْخَوْفِ مِنْهُ، فَصَدَّقَهُ وَسَأَلَهُ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ مَنْ يُؤْنِسُهُ، وَأَنْ يَنْتَقِمَ مِمَّنْ خَلَعَهُ وَسَمَلَ عَيْنَيْهِ، فَاعْتَذَرَ بِقُرْبِ بَهْرَامَ مِنْهُ فِي الْعَسَاكِرِ وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَنْتَقِمَ مِمَّنْ فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ إِلَّا بَعْدَ الظَّفَرِ بِبَهْرَامَ.
وَسَارَ بَهْرَامُ إِلَى النَّهْرَوَانِ وَسَارَ أَبْرَوِيزُ إِلَيْهِ، فَالْتَقَيَا هُنَاكَ، وَرَأَى أَبْرَوِيزُ مِنْ أَصْحَابِهِ فُتُورًا فِي الْقِتَالِ فَانْهَزَمَ، وَدَخَلَ عَلَى أَبِيهِ وَعَرَّفَهُ الْحَالَ، فَاسْتَشَارَهُ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِقَصْدِ مُورِيقَ مَلِكِ الرُّومِ، وَجَهَّزَ ثَانِيًا وَسَارَ فِي عِدَّةٍ يَسِيرَةٍ، فِيهِمْ خَالَاهُ بِنْدَوَيْهِ وَبِسْطَامٌ وَكُرْدِيٌّ أَخُو بَهْرَامَ، فَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ الْمَدَائِنِ خَافَ مَنْ مَعَهُ أَنَّ بَهْرَامَ يَرُدُّ هُرْمُزَ إِلَى الْمُلْكِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute