وَيُرْسِلُ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ فِي رَدِّهِمْ فَيَرُدُّهُمْ إِلَيْهِ، فَاسْتَأْذَنُوا أَبْرَوِيزَ فِي قَتْلِ أَبِيهِ هُرْمُزَ فَلَمْ يُحِرْ جَوَابًا، فَانْصَرَفَ بِنْدَوَيْهِ وَبِسْطَامٌ وَبَعْضُ مَنْ مَعَهُمْ إِلَى هُرْمُزَ فَقَتَلُوهُ خَنْقًا، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى أَبْرَوِيزَ وَسَارُوا مُجِدِّينَ إِلَى أَنْ جَاوَزُوا الْفُرَاتَ، وَدَخَلُوا دَيْرًا يَسْتَرِيحُونَ فِيهِ، فَلَمَّا دَخَلُوا غَشِيَتْهُمْ خَيْلُ بَهْرَامَ جُوبِينَ وَمُقَدِّمُهَا رَجُلٌ اسْمُهُ بَهْرَامُ بْنُ سِيَاوِشَ، فَقَالَ بِنْدَوَيْهِ لِأَبْرَوِيزَ: احْتَلْ لِنَفْسِكَ. قَالَ: مَا عِنْدِي حِيلَةٌ! قَالَ بِنْدَوَيْهِ: أَنَا أَبْذُلُ نَفْسِي دُونَكَ، وَطَلَبَ مِنْهُ بَزَّتَهُ فَلَبِسَهَا، وَخَرَجَ أَبْرَوِيزُ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الدَّيْرِ وَتَوَارَوْا بِالْجَبَلِ، وَوَافَى بَهْرَامُ الدَّيْرَ فَرَأَى بِنْدَوَيْهِ فَوْقَ الدَّيْرِ وَعَلَيْهِ بَزَّةُ أَبْرَوِيزَ، فَاعْتَقَدَهُ هُوَ وَسَأَلَهُ أَنْ يُنْظِرَهُ إِلَى غَدٍ لِيَصِيرَ إِلَيْهِ سِلْمًا، فَفَعَلَ، ثُمَّ ظَهَرَ مِنَ الْغَدِ عَلَى حِيلَتِهِ فَحَمَلَهُ إِلَى بَهْرَامَ جُوبِينَ فَحَبَسَهُ، وَدَخَلَ بَهْرَامُ جُوبِينَ دَارَ الْمُلْكِ وَقَعَدَ عَلَى السَّرِيرِ وَلَبِسَ التَّاجَ، فَانْصَرَفَتِ الْوُجُوهُ عَنْهُ، لَكِنَّ النَّاسَ أَطَاعُوهُ خَوْفًا، وَوَاطَأَ بَهْرَامُ بْنُ سِيَاوِشَ بِنْدَوَيْهِ عَلَى الْفَتْكِ بِبَهْرَامَ جُوبِينَ، فَعَلِمَ بَهْرَامُ جُوبِينَ بِذَلِكَ فَقَتَلَ بَهْرَامَ وَأَفْلَتَ بِنْدَوَيْهِ فَلَحِقَ بِأَذْرَبِيجَانَ.
وَسَارَ أَبْرَوِيزُ إِلَى أَنْطَاكِيَّةَ، وَأَرْسَلَ أَصْحَابَهُ إِلَى الْمَلِكِ، فَوَعَدَهُ النُّصْرَةَ وَتَزَوَّجَ أَبْرَوِيزُ ابْنَةَ الْمَلِكِ مُورِيقَ، وَاسْمُهَا مَرْيَمُ، وَجَهَّزَ مَعَهُ الْعَسَاكِرَ الْكَثِيرَةَ، فَبَلَغَتْ عِدَّتُهُمْ سَبْعِينَ أَلْفًا فِيهِمْ رَجُلٌ يُعَدُّ بِأَلْفِ مُقَاتِلٍ، فَرَتَّبَهُمْ أَبْرَوِيزُ وَسَارَ بِهِمْ إِلَى أَذْرَبِيجَانَ، فَوَافَاهُ بِنْدَوَيْهِ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُقَدَّمِينَ وَالْأَسَاوِرَةِ فِي أَرْبَعِينَ أَلْفَ فَارِسٍ مِنْ أَصْبَهَانَ وَفَارِسَ وَخُرَاسَانَ، وَسَارَ إِلَى الْمَدَائِنِ. وَخَرَجَ بَهْرَامُ جُوبِينَ نَحْوَهُ، فَجَرَى بَيْنَهُمَا حَرْبٌ شَدِيدَةٌ، فَقُتِلَ فِيهَا الْفَارِسُ الرُّومِيُّ الَّذِي يُعَدُّ بِأَلْفِ فَارِسٍ.
ثُمَّ انْهَزَمَ بَهْرَامُ جُوبِينَ، وَسَارَ إِلَى التُّرْكِ، وَسَارَ أَبْرَوِيزُ مِنَ الْمَعْرَكَةِ وَدَخَلَ الْمَدَائِنَ وَفَرَّقَ الْأَمْوَالَ فِي الرُّومِ، فَبَلَغَتْ جُمْلَتُهَا عِشْرِينَ أَلْفَ أَلْفٍ فَأَعَادَهُمْ إِلَى بِلَادِهِمْ.
وَأَقَامَ بَهْرَامُ جُوبِينَ عِنْدَ التُّرْكِ مُكَرَّمًا، فَأَرْسَلَ أَبْرَوِيزُ إِلَى زَوْجَةِ الْمَلِكِ، وَأَجْزَلَ لَهَا الْهَدِيَّةَ مِنَ الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا، وَطَلَبَ مِنْهَا قَتْلَ بَهْرَامَ، فَوَضَعَتْ عَلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ، فَاشْتَدَّ قَتْلُهُ عَلَى مَلِكِ التُّرْكِ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ زَوْجَتَهُ قَتَلَتْهُ فَطَلَّقَهَا. ثُمَّ إِنَّ أَبْرَوِيزَ قَتَلَ بِنْدَوَيْهِ، وَأَرَادَ قَتْلَ بِسْطَامٍ فَهَرَبَ مِنْهُ إِلَى طَبَرِسْتَانَ لِحَصَانَتِهَا، فَوَضَعَ أَبْرَوِيزُ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ.
وَأَمَّا الرُّومُ فَإِنَّهُمْ خَلَعُوا مَلِكَهُمْ مُورِيقَ بَعْدَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنْ مُلْكِ أَبْرَوِيزَ، وَقَتَلُوهُ وَمَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بَطْرِيقًا اسْمُهُ فُوقَاسُ، فَأَبَادَ ذُرِّيَّةَ مُورِيقَ سِوَى ابْنٍ لَهُ هَرَبَ إِلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute