كِسْرَى أَبْرَوِيزَ، فَأَرْسَلَ مَعَهُ الْعَسَاكِرَ وَتَوَجَّهَ وَمَلَّكَهُ عَلَى الرُّومِ وَجَعَلَ عَلَى عَسَاكِرِهِ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ مِنْ قُوَّادِهِ وَأَسَاوِرَتِهِ.
أَمَّا أَحَدُهُمْ فَكَانَ يُقَالُ لَهُ بُورَانُ، وَجَّهَهُ فِي جَيْشٍ مِنْهَا إِلَى الشَّامِ، فَدَخَلَهَا حَتَّى دَخَلَ إِلَى الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ، فَأَخَذَ خَشَبَةَ الصَّلِيبِ الَّتِي تَزْعُمُ النَّصَارَى أَنَّ الْمَسِيحَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صُلِبَ عَلَيْهَا فَأَرْسَلَهَا إِلَى كِسْرَى أَبْرَوِيزَ.
وَأَمَّا الْقَائِدُ الثَّانِي فَكَانَ يُقَالُ لَهُ شَاهِينُ، فَسَيَّرَهُ فِي جَيْشٍ آخَرَ إِلَى مِصْرَ، فَافْتَتَحَهَا وَأَرْسَلَ مَفَاتِيحَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ إِلَى أَبْرَوِيزَ.
وَأَمَّا الْقَائِدُ الثَّالِثُ، وَهُوَ أَعْظَمُهُمْ، فَكَانَ يُقَالُ لَهُ فَرُّخَانُ، وَتُدْعَى مَرْتَبَتُهُ شَهْرَبَرَازْ، وَجَعَلَ مَرْجِعَ الْقَائِدَيْنِ الْأَوَّلِينَ إِلَيْهِ.
وَكَانَتْ وَالِدَتُهُ مُنْجِبَةً لَا تَلِدُ إِلَّا نَجِيبًا، فَأَحْضَرَهَا أَبْرَوِيزُ وَقَالَ لَهَا: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُوَجِّهَ جَيْشًا إِلَى الرُّومِ، أَسْتَعْمِلُ عَلَيْهِ بَعْضَ بَنِيكِ، فَأَشِيرِي عَلَيَّ أَيَّهُمْ أَسْتَعْمِلُ؟ . فَقَالَتْ: أَمَّا فُلَانٌ فَأَرْوَغُ مِنْ ثَعْلَبٍ، وَأَحْذَرُ مِنْ صَقْرٍ، وَأَمَّا فَرُّخَانُ فَهُوَ أَنْفَذُ مِنْ سِنَانٍ، وَأَمَّا شَهْرَبَرَازْ فَهُوَ أَحْلَمُ مِنْ كَذَا.
فَقَالَ: قَدِ اسْتَعْمَلْتُ الْحَلِيمَ، فَوَلَّاهُ أَمْرَ الْجَيْشِ، فَسَارَ إِلَى الرُّومِ فَقَتَلَهُمْ، وَخَرَّبَ مَدَائِنَهُمْ، وَقَطَعَ أَشْجَارَهُمْ، وَسَارَ فِي بِلَادِهِمْ إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، حَتَّى نَزَلَ عَلَى خَلِيجِهَا الْقَرِيبِ مِنْهَا يَنْهَبُ وَيُغِيرُ وَيُخَرِّبُ، فَلَمْ يَخْضَعْ لِابْنِ مُورِيقَ أَحَدٌ وَلَا أَطَاعَهُ، غَيْرَ أَنَّ الرُّومَ قَتَلُوا فُوقَاسَ لِفَسَادِهِ وَمَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بَعْدَهُ هِرَقْلَ، وَهُوَ الَّذِي أَخَذَ الْمُسْلِمُونَ الشَّامَ مِنْهُ.
فَلَمَّا رَأَى هِرَقْلُ مَا أَهَمَّ الرُّومَ مِنَ النَّهْبِ وَالْقَتْلِ وَالْبَلَاءِ تَضَرَّعَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَدَعَاهُ، فَرَأَى فِي مَنَامِهِ رَجُلًا كَثَّ اللِّحْيَةِ رَفِيعَ الْمَجْلِسِ عَلَيْهِ بَزَّةٌ حَسَنَةٌ، فَدَخَلَ عَلَيْهِمَا دَاخِلٌ فَأَلْقَى ذَلِكَ الرَّجُلَ عَنْ مَجْلِسِهِ وَقَالَ لِهِرَقْلَ: إِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُهُ فِي يَدِكَ، فَاسْتَيْقَظَ، فَلَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute