للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقُصَّ رُؤْيَاهُ، فَرَأَى فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ ذَلِكَ الرَّجُلَ جَالِسًا فِي مَجْلِسِهِ، وَقَدْ دَخَلَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ وَبِيَدِهِ سِلْسِلَةٌ، فَأَلْقَاهَا فِي عُنُقِ ذَلِكَ الرَّجُلِ وَسَلَّمَهُ إِلَى هِرَقْلَ وَقَالَ: قَدْ دَفَعْتُ إِلَيْكَ كِسْرَى بِرُمَّتِهِ فَاغْزُهُ، فَإِنَّكَ مُدَالٌ عَلَيْهِ، وَبَالِغْ أُمْنِيَّتَكَ فِي أَعْدَائِكَ. فَقَصَّ حِينَئِذٍ هَذِهِ الرُّؤْيَا عَلَى عُظَمَاءِ الرُّومِ، فَأَشَارُوا عَلَيْهِ أَنْ يَغْزُوَهُ، فَاسْتَعَدَّ هِرَقْلُ وَأَخْلَفَ ابْنًا لَهُ عَلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، وَسَلَكَ غَيْرَ الطَّرِيقِ الَّذِي عَلَيْهِ شَهْرَبَرَازْ، وَسَارَ حَتَّى أَوْغَلَ فِي بِلَادِ أَرْمِينِيَّةَ، وَقَصَدَ الْجَزِيرَةَ فَنَزَلَ نَصِيبِينَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ كِسْرَى جُنْدًا وَأَمَرَهُمْ بِالْمُقَامِ بِالْمَوْصِلِ، وَأَرْسَلَ إِلَى شَهْرَبَرَازْ يَسْتَحِثُّهُ عَلَى الْقُدُومِ لِيَتَضَافَرَا عَلَى قِتَالِ هِرَقْلَ.

وَقِيلَ فِي مَسِيرِهِ غَيْرُ هَذَا، وَهُوَ أَنَّ شَهْرَبَرَازْ سَارَ إِلَى بِلَادِ الرُّومِ فَوَطِئَ الشَّامَ حَتَّى وَصَلَ إِلَى أَذْرُعَاتٍ، وَلَقِيَ جُيُوشَ الرُّومِ بِهَا فَهَزَمَهَا وَظَفِرَ بِهَا وَسَبَى وَغَنِمَ وَعَظُمَ شَأْنُهُ.

ثُمَّ إِنَّ فَرُّخَانَ أَخَا شَهْرَبَرَازْ شَرِبَ الْخَمْرَ يَوْمًا وَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنِّي جَالِسٌ عَلَى سَرِيرِ كِسْرَى، فَبَلَغَ الْخَبَرُ كِسْرَى فَكَتَبَ إِلَى أَخِيهِ شَهْرَبَرَازْ يَأْمُرُهُ بِقَتْلِهِ، فَعَاوَدَهُ وَأَعْلَمَهُ شَجَاعَتَهُ وَنِكَايَتَهُ فِي الْعَدُوِّ، فَعَادَ كِسْرَى وَكَتَبَ إِلَيْهِ بِقَتْلِهِ، فَرَاجَعَهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ الثَّالِثَةَ، فَلَمْ يَفْعَلْ، فَكَتَبَ كِسْرَى بِعَزْلِ شَهْرَبَرَازْ وَوِلَايَةِ فَرُّخَانَ الْعَسْكَرَ، فَأَطَاعَ شَهْرَبَرَازْ فَلَمَّا جَلَسَ عَلَى سَرِيرِ الْإِمَارَةِ أَلْقَى إِلَيْهِ الْقَاصِدُ بِوِلَايَتِهِ كِتَابًا صَغِيرًا مِنْ كِسْرَى يَأْمُرُهُ بِقَتْلِ شَهْرَبَرَازَ فَعَزَمَ عَلَى قَتْلِهِ، فَقَالَ لَهُ شَهْرَبَرَازُ: أَمْهِلْنِي حَتَّى أَكْتُبَ وَصِيَّتِي، فَأَمْهَلَهُ، فَأَحْضَرَ دُرْجًا وَأَخْرَجَ مِنْهُ كُتُبَ كِسْرَى الثَّلَاثَةَ وَأَطْلَعَهُ عَلَيْهَا وَقَالَ: أَنَا رَاجَعْتُ فِيكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَلَمْ أَقْتُلْكَ، وَأَنْتَ تَقْتُلُنِي فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، فَاعْتَذَرَ أَخُوهُ إِلَيْهِ وَأَعَادَهُ إِلَى الْإِمَارَةِ وَاتَّفَقَا عَلَى مُوَافَقَةِ مَلِكِ الرُّومِ عَلَى كِسْرَى، فَأَرْسَلَ شَهْرَبَرَازْ إِلَى هِرَقْلَ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً لَا يَبْلُغُهَا الْبَرِيدُ وَلَا تَسَعُهَا الصُّحُفُ، فَالْقَنِي فِي خَمْسِينَ رُومِيًّا، فَإِنِّي أَلْقَاكَ فِي خَمْسِينَ فَارِسِيًّا، فَأَقْبَلَ قَيْصَرُ فِي جُيُوشِهِ جَمِيعِهَا، وَوَضَعَ عُيُونَهُ تَأْتِيهِ بِخَبَرِ شَهْرَبَرَازْ، وَخَافَ أَنْ يَكُونَ مَكِيدَةً، فَأَتَتْهُ عُيُونُهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُ فِي خَمْسِينَ فَارِسِيًّا، فَحَضَرَ عِنْدَهُ فِي مِثْلِهَا، وَاجْتَمَعَا وَبَيْنَهُمَا تُرْجُمَانٌ فَقَالَ لَهُ: أَنَا وَأَخِي خَرَّبْنَا بِلَادَكَ وَفَعَلْنَا مَا عَلِمْتَ، وَقَدْ حَسَدَنَا كِسْرَى وَأَرَادَ قَتْلَنَا، وَقَدْ خَلَعْنَاهُ وَنَحْنُ نُقَاتِلُ مَعَكَ. فَفَرِحَ هِرَقْلُ بِذَلِكَ وَاتَّفَقَا

<<  <  ج: ص:  >  >>