للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّ سَيْلَ الْعَرِمِ يُخَرِّبُ بِلَادَهُمْ، وَيُغْرِقُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا عُقُوبَةً لَهُمْ بِتَكْذِيبِهِمْ رُسُلَ اللَّهِ تَعَالَى إِلَيْهِمْ. فَلَمَّا عَلِمَ ذَلِكَ عَمْرٌو بَاعَ مَا لَهُ مِنْ مَالٍ وَعَقَارٍ، وَسَارَ عَنْ مَأْرِبٍ هُوَ وَمَنْ تَبِعَهُ، ثُمَّ تَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ فَسَكَنَ كُلُّ بَطْنٍ نَاحِيَةً اخْتَارُوهَا، فَسَكَنَتْ خُزَاعَةُ الْحِجَازَ، وَسَكَنَتْ غَسَّانُ الشَّامَ.

وَلَمَّا سَارَ ثَعْلَبَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ فِيمَنْ مَعَهُ اجْتَازُوا بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ تُسَمَّى يَثْرِبَ، فَتَخَلَّفَ بِهَا الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ ابْنَا حَارِثَةَ فِيمَنْ مَعَهُمَا، وَكَانَ فِيهَا قُرًى وَأَسْوَاقٌ وَبِهَا قَبَائِلُ مِنَ الْيَهُودِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَغَيْرِهِمْ، مِنْهُمْ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ وَبَنُو قَيْنُقَاعَ وَبَنُو مَاسِلَةَ وَزَعْوَرَا وَغَيْرُهُمْ، وَقَدْ بَنَوْا لَهُمْ حُصُونًا يَجْتَمِعُونَ بِهَا إِذَا خَافُوا. فَنَزَلَ عَلَيْهِمُ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ فَابْتَنَوُا الْمَسَاكِنَ وَالْحُصُونَ، إِلَّا أَنَّ الْغَلَبَةَ وَالْحُكْمَ لِلْيَهُودِ إِلَى أَنْ كَانَ مِنَ الْفِطْيَوْنِ وَمَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَعَادَتِ الْغَلَبَةُ لِلْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَلَمْ يَزَالُوا عَلَى حَالِ اتِّفَاقٍ وَاجْتِمَاعٍ إِلَى أَنْ حَدَثَ بَيْنَهُمْ حَرْبُ سُمَيْرٍ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[ذِكْرُ غَلَبَةِ الْأَنْصَارِ عَلَى الْمَدِينَةِ وَضَعْفِ أَمْرِ الْيَهُودِ بِهَا وَقَتْلِ الْفِطْيَوْنِ]

قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الِاسْتِيلَاءَ كَانَ لِلْيَهُودِ عَلَى الْمَدِينَةِ لَمَّا نَزَلَهَا الْأَنْصَارُ، وَلَمْ يَزَلِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ إِلَى أَنْ مُلِّكَ عَلَيْهِمُ الْفِطْيَوْنُ الْيَهُودِيُّ، وَهُوَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ثُمَّ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ، وَكَانَ رَجُلَ سُوءٍ فَاجِرًا، وَكَانَتِ الْيَهُودُ تَدِينُ لَهُ بِأَنْ لَا تَزَوَّجَ امْرَأَةٌ مِنْهُمْ إِلَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ زَوْجِهَا، وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِالْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ أَيْضًا. ثُمَّ إِنَّ أُخْتًا لِمَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ السَّالِمِيِّ الْخَزْرَجِيِّ تَزَوَّجَتْ، فَلَمَّا كَانَ زِفَافُهَا خَرَجَتْ عَنْ مَجْلِسِ قَوْمِهَا وَفِيهِ أَخُوهَا مَالِكٌ وَقَدْ كَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا. فَقَالَ لَهَا مَالِكٌ لَقَدْ جِئْتِ بِسُوءٍ. قَالَتْ: الَّذِي يُرَادُ بِي

<<  <  ج: ص:  >  >>