[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ]
٨٣ -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ
ذِكْرُ بَقِيَّةِ الْوَقْعَةِ بِدَيْرِ الْجَمَاجِمِ
فَلَمَّا حَمَلَتْ كَتَائِبُ الْحَجَّاجِ الثَّلَاثِ عَلَى الْقُرَّاءِ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَلَيْهِمْ جَبَلَةُ بْنُ زَحْرٍ نَادَى جَبَلَةُ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى! يَا مَعْشَرَ الْقُرَّاءِ! إِنَّ الْفِرَارَ لَيْسَ بِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ بِأَقْبَحَ مِنْهُ بِكُمْ، إِنِّي سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَفَعَ اللَّهُ دَرَجَتَهُ فِي الصَّالِحِينَ، وَآتَاهُ ثَوَابَ الصَّادِقِينَ وَالشُّهَدَاءِ - يَقُولُ يَوْمَ لَقِينَا أَهْلَ الشَّامِ: أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، إِنَّهُ مَنْ رَأَى عُدْوَانًا يُعْمَلُ بِهِ، وَمُنْكَرًا يُدْعَى إِلَيْهِ، فَأَنْكَرَهُ بِقَلْبِهِ - فَقَدْ سَلِمَ وَبَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَهُ بِلِسَانِهِ فَقَدْ أُجِرَ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ صَاحِبِهِ، وَمَنْ أَنْكَرَهُ بِالسَّيْفِ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَكَلِمَةُ الظَّالِمِينَ السُّفْلَى، فَذَلِكَ الَّذِي أَصَابَ سَبِيلَ الْهُدَى، وَنَوَّرَ فِي قَلْبِهِ الْيَقِينُ، فَقَاتِلُوا هَؤُلَاءِ الْمُحِلِّينَ الْمُحْدِثِينَ الْمُبْتَدِعِينَ الَّذِينَ جَهِلُوا الْحَقَّ فَلَا يَعْرِفُونَهُ، وَعَمِلُوا بِالْعُدْوَانِ فَلَيْسَ يُنْكِرُونَهُ.
وَقَالَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ: أَيُّهَا النَّاسُ، قَاتِلُوهُمْ عَلَى دِينِكُمْ وَدُنْيَاكُمْ. فَقَالَ الشَّعْبِيُّ: أَيُّهَا النَّاسُ، قَاتِلُوهُمْ وَلَا يَأْخُذْكُمْ حَرَجٌ مِنْ قِتَالِهِمْ، وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ عَلَى بَسِيطِ الْأَرْضِ أَعْمَلَ بِظُلْمٍ، وَلَا أَجْوَرَ فِي حُكْمٍ، مِنْهُمْ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ نَحْوَ ذَلِكَ، وَقَالَ جَبَلَةُ: احْمِلُوا عَلَيْهِمْ حَمْلَةً صَادِقَةً، وَلَا تَرُدُّوا وُجُوهَكُمْ عَنْهُمْ حَتَّى تُوَاقِعُوا صَفَّهُمْ.
فَحَمَلُوا عَلَيْهِمْ حَمْلَةً صَادِقَةً، فَضَرَبُوا الْكَتَائِبَ حَتَّى أَزَالُوهَا وَفَرَّقُوهَا، وَتَقَدَّمُوا حَتَّى وَاقَعُوا صَفَّهُمْ، فَأَزَالُوهُ عَنْ مَكَانِهِ، ثُمَّ رَجَعُوا فَوَجَدُوا جَبَلَةَ بْنَ زَحْرٍ قَتِيلًا لَا يَدْرُونَ كَيْفَ قُتِلَ.
وَكَانَ سَبَبُ قَتْلِهِ أَنَّ أَصْحَابَهُ لَمَّا حَمَلُوا عَلَى أَهْلِ الشَّامِ فَفَرَّقُوهُمْ وَقَفَ لِأَصْحَابِهِ لِيَرْجِعُوا إِلَيْهِ، فَافْتَرَقَتْ فِرْقَةٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ فَوَقَفَتْ نَاحِيَةً، فَلَمَّا رَأَوْا أَصْحَابَ جَبَلَةَ قَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute