للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَقَدَّمُوا، قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: هَذَا جَبَلَةُ، احْمِلُوا عَلَيْهِ مَا دَامَ أَصْحَابُهُ مَشَاغِيلَ بِالْقِتَالِ. فَحَمَلُوا عَلَيْهِ فَلَمْ يُوَلِّ، لَكِنَّهُ حَمَلَ عَلَيْهِمْ فَقَتَلُوهُ، وَكَانَ الَّذِي قَتَلَهُ، الْوَلِيدُ بْنُ نُحَيْتٍ الْكَلْبِيُّ، وَجِيءَ بِرَأْسِهِ إِلَى الْحَجَّاجِ، فَبَشَّرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ. فَلَمَّا رَجَعَ أَصْحَابُ جَبَلَةَ وَرَأَوْهُ قَتِيلًا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَتَنَاعُوهُ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ: لَا يَظْهَرَنَّ عَلَيْكُمْ قَتْلُ جَبَلَةَ، إِنَّمَا كَانَ كَرَجُلٍ مِنْكُمْ أَتَتْهُ مَنِيَّتُهُ، فَلَمْ يَكُنْ لِيَتَقَدَّمَ [يَوْمَهُ] وَلَا لِيَتَأَخَّرَ [عَنْهُ] . وَظَهَرَ الْفَشَلُ فِي الْقُرَّاءِ، وَنَادَاهُمْ أَهْلُ الشَّامِ: يَا أَعْدَاءَ اللَّهِ، قَدْ هَلَكْتُمْ، وَقَدْ قُتِلَ طَاغِيَتُكُمْ!

وَقَدِمَ عَلَيْهِمْ بِسْطَامُ بْنُ مَصْقَلَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ الشَّيْبَانِيُّ، فَفَرِحُوا بِهِ وَقَالُوا: تَقَدَّمْ مَقَامَ جَبَلَةَ. وَكَانَ قُدُومُهُ مِنَ الرَّيِّ، فَلَمَّا أَتَى عَبْدَ الرَّحْمَنِ جَعَلَهُ عَلَى رَبِيعَةَ، وَكَانَ شُجَاعًا، فَقَاتَلَ يَوْمًا، فَدَخَلَ عَسْكَرَ الْحَجَّاجِ، فَأَخَذَ أَصْحَابُهُ ثَلَاثِينَ امْرَأَةً فَأَطْلَقَهُنَّ. فَقَالَ الْحَجَّاجُ: مَنَعُوا نِسَاءَهُمْ، لَوْ لَمْ يَرُدُّوهُنَّ لَسَبَيْتُ نِسَاءَهُمْ إِذَا ظَهَرْتُ عَلَيْهِمْ.

وَخَرَجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ الرُّؤَاسِيُّ أَبُو حُمَيْدٍ، فَدَعَا إِلَى الْمُبَارَزَةِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَتَضَارَبَا، فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا الْغُلَامُ الْكِلَابِيُّ. فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَنْ أَنْتَ؟ وَإِذَا هُمَا ابْنَا عَمٍّ، فَتَحَاجَزَا. وَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رِزَامٍ الْحَارِثِيُّ، فَطَلَبَ الْمُبَارَزَةَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ عَسْكَرِ الْحَجَّاجِ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.

فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ خَرَجَ، فَقَالُوا: جَاءَ لَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ! فَطَلَبَ الْمُبَارَزَةَ، فَقَالَ الْحَجَّاجُ لِلْجَرَّاحِ: اخْرُجْ إِلَيْهِ. فَخَرَجَ إِلَيْهِ. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَكَانَ لَهُ صَدِيقًا: وَيْحَكَ يَا جَرَّاحُ مَا أَخْرَجَكَ؟ قَالَ: ابْتُلِيتُ بِكَ. قَالَ: فَهَلْ لَكَ فِي خَيْرٍ؟ قَالَ الْجَرَّاحُ: مَا هُوَ؟ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَنْهَزِمُ لَكَ وَتَرْجِعُ إِلَى الْحَجَّاجِ، وَقَدْ أَحْسَنْتَ عِنْدَهُ وَحَمَدَكَ، وَأَمَّا أَنَا فَأَحْتَمِلُ مُقَالَةَ النَّاسِ فِي انْهِزَامِي حُبًّا لِسَلَامَتِكَ، فَإِنِّي لَا أُحِبُّ قَتْلَ مِثْلِكَ مِنْ قَوْمِي. قَالَ: افْعَلْ. فَحَمَلَ الْجَرَّاحُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ فَاسْتَطْرَدَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ الْجَرَّاحُ بِجِدٍّ يُرِيدُ قَتْلَهُ، فَصَاحَ لِعَبْدِ اللَّهِ غُلَامُهُ، وَكَانَ نَاحِيَةً مَعَهُ مَاءٌ لِيَشْرَبَهُ، وَقَالَ لَهُ: يَا سَيِّدِي، إِنَّ الرَّجُلَ يُرِيدُ قَتْلَكَ! فَعَطَفَ عَبْدُ اللَّهِ عَلَى الْجَرَّاحِ، فَضَرَبَهُ بِعَمُودٍ عَلَى رَأْسِهِ فَصَرَعَهُ، وَقَالَ لَهُ: يَا جَرَّاحُ، بِئْسَ مَا جَزَيْتَنِي! أَرَدْتُ بِكَ الْعَافِيَةَ وَأَرَدْتَ قَتْلِي! انْطَلِقْ فَقَدْ تَرَكْتُكَ لِلْقَرَابَةِ وَالْعَشِيرَةِ.

وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ الطَّائِيُّ يَحْمِلَانِ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ بَعْدَ قَتْلِ جَبَلَةَ بْنِ زَحْرٍ حَتَّى يُخَالِطَاهُمْ، وَكَانَتْ مُدَّةُ الْحَرْبِ مِائَةَ يَوْمٍ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ; لِأَنَّهُ كَانَ نُزُولُهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>