للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَى قَوْلِهِ: (إِلَّا اخْتِلَاقٌ) ، وَأَقْبَلَ عَلَى عَمِّهِ فَقَالَ: " قُلْ كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". قَالَ: لَوْلَا أَنْ تَعِيبَكُمْ بِهَا الْعَرَبُ وَتَقُولَ: جَزِعَ مِنَ الْمَوْتِ لَأَعْطَيْتُكَهَا، وَلَكِنْ عَلَى مِلَّةِ الْأَشْيَاخِ، فَنَزَلَتْ: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: ٥٦] » .

[ذِكْرُ تَعْذِيبِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ]

وَهُمُ الَّذِينَ سَبَقُوا إِلَى الْإِسْلَامِ، وَلَا عَشَائِرَ لَهُمْ تَمْنَعُهُمْ، وَلَا قُوَّةَ لَهُمْ يُمْنَعُونَ بِهَا، فَأَمَّا مَنْ كَانَتْ لَهُ عَشِيرَةٌ تَمْنَعُهُ فَلَمْ يَصِلِ الْكُفَّارُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَوُا امْتِنَاعَ مَنْ لَهُ عَشِيرَةٌ، وَثَبَتْ كُلُّ قَبِيلَةٍ عَلَى مَنْ فِيهَا مِنْ مُسْتَضْعَفِي الْمُسْلِمِينَ، فَجَعَلُوا يَحْبِسُونَهُمْ وَيُعَذِّبُونَهُمْ بِالضَّرْبِ وَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَرَمْضَاءِ مَكَّةَ وَالنَّارِ لِيَفْتِنُوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَفْتَتِنُ مِنْ شِدَّةِ الْبَلَاءِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَصَلَّبُ فِي دِينِهِ وَيَعْصِمُهُ اللَّهُ مِنْهُمْ.

فَمِنْهُمْ: بِلَالُ بْنُ رَبَاحٍ الْحَبَشِيُّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ أَبُوهُ مِنْ سَبْيِ الْحَبَشَةِ، وَأُمُّهُ حَمَامَةُ سَبِيَّةٌ أَيْضًا، وَهُوَ مِنْ مُوَلَّدِي السَّرَاةِ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، فَصَارَ بِلَالٌ لِأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيِّ، فَكَانَ إِذَا حَمِيَتِ الشَّمْسُ وَقْتَ الظَّهِيرَةِ يُلْقِيهِ فِي الرَّمْضَاءِ عَلَى وَجْهِهِ وَظَهْرِهِ، ثُمَّ يَأْمُرُ بِالصَّخْرَةِ الْعَظِيمَةِ فَتُلْقَى عَلَى صَدْرِهِ، وَيَقُولُ: لَا تَزَالُ هَكَذَا حَتَّى تَمُوتَ، أَوْ تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ وَتَعْبُدَ اللَّاتَ وَالْعُزَّى، فَكَانَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ يَمُرُّ بِهِ وَهُوَ يُعَذَّبُ وَهُوَ يَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ. فَيَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ وَاللَّهِ يَا بِلَالُ. ثُمَّ يَقُولُ لِأُمَيَّةَ: أَحْلِفُ بِاللَّهِ لَئِنْ قَتَلْتُمُوهُ عَلَى هَذَا لَأَتَّخِذَنَّهُ حَنَانًا. فَرَآهُ أَبُو بَكْرٍ يُعَذَّبُ فَقَالَ لِأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيِّ: أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>