[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسِمَائَةٍ]
(٥٣٤)
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسِمَائَةٍ
ذِكْرُ حِصَارِ أَتَابَكْ زَنْكِي دِمَشْقَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ حَصَرَ أَتَابَكْ زَنْكِي دِمَشْقَ مَرَّتَيْنِ، فَأَمَّا الْمَرَّةُ الْأُولَى فَإِنَّهُ سَارَ إِلَيْهَا فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ بَعْلَبَكَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مَنْ أَمْرِهَا، وَتَقْرِيرِ قَوَاعِدِهَا، وَإِصْلَاحِ مَا تَشَعَّثَ مِنْهَا، لِيَحْصُرَهَا، فَنَزَلَ بِالْبِقَاعِ، وَأَرْسَلَ إِلَى جَمَالِ الدِّينِ صَاحِبِهَا يَبْذُلُ لَهُ بَلَدًا يَقْتَرِحُهُ لِيُسَلِّمَ إِلَيْهِ دِمَشْقَ، فَلَمْ يُجِبْهُ إِلَى ذَلِكَ فَرَحَلَ، وَقَصَدَ دِمَشْقَ، فَنَزَلَ عَلَى دَارَيَّا ثَالِثَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَالْتَقَتِ الطَّلَائِعُ، وَاقْتَتَلُوا، وَكَانَ الظَّفَرُ لِعَسْكَرِ زَنْكِي، وَعَادَ الدِّمَشْقِيُّونَ مُنْهَزِمِينَ، فَقُتِلَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ.
ثُمَّ تَقَدَّمَ زَنْكِي إِلَى دِمَشْقَ، فَنَزَلَ هُنَاكَ، وَلَقِيَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنْ جُنْدِ دِمَشْقَ وَأَحْدَاثِهَا، وَرَجَّالَةِ الْغُوطَةِ، فَقَاتَلُوهُ، فَانْهَزَمَ الدِّمَشْقِيُّونَ، وَأَخَذَهُمُ السَّيْفُ، فَقَتَلَ فِيهِمْ وَأَكْثَرَ، وَأَسَرَ كَذَلِكَ، وَمَنْ سَلِمَ عَادَ جَرِيحًا.
وَأَشْرَفَ الْبَلَدُ ذَلِكَ الْيَوْمَ عَلَى أَنْ يُمْلَكَ، لَكِنْ عَادَ زَنْكِي عَنِ الْقِتَالِ، وَأَمْسَكَ عَنْهُ عِدَّةَ أَيَّامٍ، وَتَابَعَ الرُّسُلَ إِلَى صَاحِبِ دِمَشْقَ، وَبَذَلَ لَهُ بَعْلَبَكَّ وَحِمْصَ وَغَيْرَهُمَا مِمَّا يَخْتَارُهُ مِنِ الْبِلَادِ، فَمَالَ إِلَى التَّسْلِيمِ، وَامْتَنَعَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَخَوَّفُوهُ عَاقِبَةَ فِعْلِهِ، وَأَنْ يَغْدِرَ بِهِ كَمَا غَدَرَ بِأَهْلِ بَعْلَبَكَّ، فَلَمَّا لَمْ يُسَلِّمُوا إِلَيْهِ عَاوَدَ الْقِتَالَ وَالزَّحْفَ.
ثُمَّ إِنَّ جَمَالَ الدِّينِ صَاحِبَ دِمَشْقَ مَرِضَ وَمَاتَ ثَامِنِ شَعْبَانَ، وَطَمِعَ زَنْكِي حِينَئِذٍ فِي الْبَلَدِ، وَزَحَفَ إِلَيْهِ زَحْفًا شَدِيدًا ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ رُبَّمَا يَقَعُ بَيْنَ الْمُقَدَّمِينَ وَالْأُمَرَاءِ خِلَافٌ فَيَبْلُغُ غَرَضَهُ، وَكَانَ مَا أَمَّلَهُ بَعِيدًا، فَلَمَّا مَاتَ جَمَالُ الدِّينِ وَلِيَ بَعْدَهُ مُجِيرُ الدِّينِ أَبَقُ وَلَدُهُ، وَتَوَلَّى تَدْبِيرَ دَوْلَتِهِ مُعِينُ الدِّينِ أُنُزُ، فَلَمْ يَظْهَرْ لِمَوْتِ أَبِيهِ أَثَرٌ مَعَ أَنَّ عَدُوَّهُمْ عَلَى بَابِ الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا رَأَى أُنُزُ أَنَّ زَنْكِي لَا يُفَارِقُهُمْ وَلَا يَزُولُ عَنْ حَصْرِهِمْ، رَاسَلَ الْفِرِنْجَ، وَاسْتَدْعَاهُمْ إِلَى نُصْرَتِهِ، وَأَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى مَنْعِ زَنْكِي عَنْ دِمَشْقَ، وَبَذَلَ لَهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute