بَذُولًا مَنْ جُمْلَتِهَا أَنْ يَحْصُرَ بَانِيَاسَ وَيَأْخُذَهَا وَيُسَلِّمَهَا إِلَيْهِمْ، وَخَوَّفَهُمْ مِنْ زَنْكِي إِنْ مَلَكَ دِمَشْقَ، فَعَلِمُوا صِحَّةَ قَوْلِهِ إِنَّهُ إِنْ مَلَكَهَا لَمْ يَبْقَ لَهُمْ مَعَهُ بِالشَّامِ مَقَامٌ، فَاجْتَمَعَتِ الْفِرِنْجُ، وَعَزَمُوا عَلَى الْمَسِيرِ إِلَى دِمَشْقَ لِيَجْتَمِعُوا مَعَ صَاحِبِهَا وَعَسْكَرِهَا عَلَى قِتَالِ زَنْكِي، فَحِينَ عَلِمَ زَنْكِي بِذَلِكَ سَارَ إِلَى حَوْرَانَ خَامِسَ رَمَضَانَ، عَازِمًا عَلَى قِتَالِ الْفِرِنْجِ قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعُوا بِالدِّمَشْقِيِّينَ، فَلَمَّا سَمِعَ الْفِرِنْجُ خَبَرَهُ لَمْ يُفَارِقُوا بِلَادَهُمْ، فَلَمَّا رَآهُمْ كَذَلِكَ عَادَ إِلَى حَصْرِ دِمَشْقَ، [وَنَزَلَ] بِعَذْرَا شَمَالَيْهَا سَادِسَ شَوَّالٍ، فَأَحْرَقَ عِدَّةَ قُرًى مِنَ الْمَرْجِ، وَالْغُوطَةِ، وَرَحَلَ عَائِدًا إِلَى بِلَادِهِ.
وَوَصَلَ الْفِرِنْجُ إِلَى دِمَشْقَ، وَاجْتَمَعُوا بِصَاحِبِهَا، وَقَدْ رَحَلَ زَنْكِي، فَعَادُوا، فَسَارَ مُعِينُ الدِّينِ أُنُزُ إِلَى بَانِيَاسَ فِي عَسْكَرِ دِمَشْقَ وَهِيَ فِي طَاعَةِ زَنْكِي، كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا، لِيَحْصُرَهَا وَيُسَلِّمَهَا إِلَى الْفِرِنْجِ، وَكَانَ وَالِيهَا قَدْ سَارَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْهَا فِي جَمْعِ جَمْعِهِ إِلَى مَدِينَةِ صُورَ لِلْإِغَارَةِ عَلَى بِلَادِهَا، فَصَادَفَهُ صَاحِبُ أَنْطَاكِيَّةَ وَهُوَ قَاصِدٌ إِلَى دِمَشْقَ نَجْدَةً لِصَاحِبِهَا عَلَى زَنْكِي، فَاقْتَتَلَا فَانْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ، وَأَخَذُوا وَالِيَ بَانِيَاسَ فَقُتِلَ، وَنَجَا مَنْ سَلِمَ مِنْهُمْ إِلَى بَانِيَاسَ، وَجَمَعُوا مَعَهُمْ كَثِيرًا مِنِ الْبِقَاعِ وَغَيْرَهَا، وَحَفِظُوا الْقَلْعَةَ، فَنَازَلَهَا مُعِينُ الدِّينِ فَقَاتَلَهُمْ وَضَيَّقَ عَلَيْهِمْ، وَمَعَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْفِرِنْجِ، فَأَخَذَهَا وَسَلَّمَهَا إِلَى الْفِرِنْجِ.
وَأَمَّا الْحَصْرُ الثَّانِي لِدِمَشْقَ، فَإِنَّ أَتَابَكْ لَمَّا سَمِعَ الْخَبَرَ بِحَصْرِ بَانِيَاسَ عَادَ إِلَى بَعْلَبَكَّ لِيَدْفَعَ عَنْهَا مَنْ يَحْصُرُهَا، فَأَقَامَ هُنَاكَ.
فَلَمَّا عَادَ عَسْكَرُ دِمَشْقَ بَعْدَ أَنْ مَلَكُوهَا وَسَلَّمُوهَا إِلَى الْفِرِنْجِ، فَرَّقَ أَتَابَكْ زَنْكِي عَسْكَرَهُ عَلَى الْإِغَارَةِ عَلَى حَوْرَانَ وَأَعْمَالِ دِمَشْقَ، وَسَارَ هُوَ جَرِيدَةً مَعَ خَوَاصِّهِ، فَنَازَلَ دِمَشْقَ سَحَرًا، وَلَا يَعْلَمُ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ وَرَأَوْا عَسْكَرَهُ خَافُوا، وَارْتَجَّ الْبَلَدُ، وَاجْتَمَعَ الْعَسْكَرُ وَالْعَامَّةُ عَلَى السُّورِ، وَفُتِحَتِ الْأَبْوَابُ، وَخَرَجَ الْجُنْدُ وَالرَّجَّالَةُ فَقَاتَلُوهُ، فَلَمْ يُمْكِنْ زَنْكِي عَسْكَرُهُ مِنِ الْإِقْدَامِ فِي الْقِتَالِ؛ لِأَنَّ عَامَّةَ عَسْكَرِهِ كَانُوا قَدْ تَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ لِلنَّهْبِ وَالتَّخْرِيبِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ دِمَشْقَ لِئَلَّا يَخْرُجَ مِنْهَا عَسْكَرٌ إِلَى عَسْكَرِهِ وَهُمْ مُتَفَرِّقُونَ، فَلَمَّا اقْتَتَلُوا ذَلِكَ الْيَوْمَ قُتِلَ بَيْنَهُمْ جَمَاعَةٌ ثُمَّ أَحْجَمَ زَنْكِي عَنْهُمْ، وَعَادَ إِلَى خِيَامِهِ، وَرَحَلَ إِلَى مَرْجِ رَاهِطٍ، وَأَقَامَ يَنْتَظِرُ عَوْدَةَ عَسْكَرِهِ، فَعَادُوا إِلَيْهِ وَقَدْ مَلَأُوا أَيْدِيَهُمْ مِنَ الْغَنَائِمِ ; لِأَنَّهُمْ طَرَقُوا الْبِلَادَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute