[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ]
٧٢ -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ
ذِكْرُ أَمْرِ الْخَوَارِجِ
لَمَّا اسْتَقَرَّ عَبْدُ الْمَلِكِ بِالْكُوفَةِ بَعْدَ قَتْلِ مُصْعَبٍ اسْتَعْمَلَ خَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى الْبَصْرَةِ، فَلَمَّا قَدِمَهَا خَالِدٌ كَانَ الْمُهَلَّبُ يُحَارِبُ الْأَزَارِقَةَ، فَجَعَلَهُ عَلَى خَرَاجِ الْأَهْوَازِ وَمَعُونَتِهَا، وَسَيَّرَ أَخَاهُ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى قِتَالِ الْخَوَارِجِ، وَسَيَّرَ مَعَهُ مُقَاتِلَ بْنَ مِسْمَعٍ، فَخَرَجَا يَطْلُبَانِ الْأَزَارِقَةَ، فَأَتَتِ الْخَوَارِجُ مِنْ نَاحِيَةِ كَرْمَانَ إِلَى دَارَبْجِرْدَ، وَأَرْسَلَ قَطَرِيُّ بْنُ الْفُجَاءَةِ الْمَازِنِيُّ مَعَ صَالِحِ بْنِ مُخَارِقٍ تِسْعَمِائَةِ فَارِسٍ، فَأَقْبَلَ يَسِيرُ بِهِمْ حَتَّى اسْتَقْبَلَ عَبْدَ الْعَزِيزِ وَهُوَ يَسِيرُ مَهَلًا عَلَى غَيْرِ تَعْبِيَةٍ، فَانْهَزَمَ بِالنَّاسِ، وَنَزَلَ مُقَاتِلُ بْنُ مِسْمَعٍ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، وَانْهَزَمَ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَأُخِذَتِ امْرَأَتُهُ ابْنَةُ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَارُودِ، فَأُقِيمَتْ فِيمَنْ يَزِيدُ، فَبَلَغَتْ قِيمَتُهَا مِائَةَ أَلْفٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهَا مِنْ رُءُوسِ الْخَوَارِجِ فَقَالَ: تَنَحُّوا هَكَذَا، مَا أَرَى هَذِهِ الْمُشْرِكَةَ إِلَّا قَدْ فَتَنَتْكُمْ! وَضَرَبَ عُنُقَهَا، وَلَحِقَ بِالْبَصْرَةِ، فَرَآهُ آلُ الْمُنْذِرِ فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا نَدْرِي أَنَحْمِدُكَ أَمْ نَذُمُّكَ! فَكَانَ يَقُولُ: مَا فَعَلْتُهُ إِلَّا غَيْرَةً وَحَمِيَّةً.
وَانْتَهَى عَبْدُ الْعَزِيزِ إِلَى رَامَهُرْمُزَ، وَأَتَى الْمُهَلَّبَ خَبَرُهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ شَيْخًا مِنَ الْأَزْدِ وَقَالَ لَهُ: إِنْ كَانَ مُنْهَزِمًا فَعَزِّهِ. فَأَتَاهُ الرَّجُلُ فَرَآهُ نَازِلًا فِي نَحْوِ ثَلَاثِينَ فَارِسًا كَئِيبًا حَزِينًا، فَأَبْلَغَهُ الرِّسَالَةَ، وَعَادَ إِلَى الْمُهَلَّبِ بِالْخَبَرِ، فَأَرْسَلَ الْمُهَلَّبُ إِلَى أَخِيهِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ يُخْبِرُهُ بِهَزِيمَتِهِ. فَقَالَ لِلرَّسُولِ: كَذَبْتَ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ، فَإِنْ كُنْتُ كَاذِبًا فَاضْرِبْ عُنُقِي، وَإِنْ كُنْتُ صَادِقًا فَأَعْطِنِي جُبَّتَكَ وَمُطْرَفَكَ. قَالَ: قَدْ رَضِيتَ مِنَ الْخَطَرِ الْعَظِيمِ بِالْخَطَرِ الْيَسِيرِ. وَحَبَسَهُ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ حَتَّى صَحَّ خَبَرُ الْهَزِيمَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute