قَالَ ابْنُ قَيْسٍ الرُّقَيَّاتُ فِي هَزِيمَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَفِرَارِهِ عَنِ امْرَأَتِهِ:
عَبْدَ الْعَزِيزِ فَضَحْتَ جَيْشَكَ كُلَّهُمْ ... وَتَرَكْتَهُمْ صَرْعَى بِكُلِّ سَبِيلِ
مِنْ بَيْنِ ذِي عَطَشٍ يَجُودُ بِنَفْسِهِ ... وَمُلَحَّبٍ بَيْنَ الرِّجَالِ قَتِيلِ
هَلَّا صَبَرْتَ مَعَ الشَّهِيدِ مُقَاتِلًا ... إِذْ رُحْتَ مُنْتَكِثَ الْقُوَى بِأَصِيلِ
وَتَرَكْتَ جَيْشَكَ لَا أَمِيرَ عَلَيْهِمُ ... فَارْجِعْ بِعَارٍ فِي الْحَيَاةِ طَوِيلِ
وَنَسِيتَ عُرْسَكَ إِذْ تُقَادُ سَبِيَّةً ... تَبْكِي الْعُيُونُ بِرَنَّةٍ وَعَوِيلِ
فَكَتَبَ خَالِدٌ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ: قَدْ عَرَفْتُ ذَلِكَ، وَسَأَلْتُ رَسُولَكَ عَنِ الْمُهَلَّبِ فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ عَامِلٌ عَلَى الْأَهْوَازِ، فَقَبَّحَ اللَّهُ رَأْيَكَ حِينَ تَبْعَثُ أَخَاكَ أَعْرَابِيًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ عَلَى الْقِتَالِ وَتَدَعُ الْمُهَلَّبَ يَجْبِي الْخَرَاجَ، وَهُوَ الْمَيْمُونُ النَّقِيبَةُ، الْمُقَاسِي لِلْحَرْبِ، ابْنُهَا وَابْنُ أَبْنَائِهَا، أَرْسِلْ إِلَى الْمُهَلَّبِ يَسْتَقْبِلْهُمْ، وَقَدْ بَعَثْتُ إِلَى بِشْرٍ بِالْكُوفَةِ لِيَمُدَّكَ بِجَيْشٍ، فَسِرْ مَعَهُمْ، وَلَا تَعْمَلْ فِي عَدُوِّكَ بِرَأْيٍ حَتَّى يَحْضُرَهُ الْمُهَلَّبُ، وَالسَّلَامُ.
وَكَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى بِشْرٍ أَخِيهِ بِالْكُوفَةِ يَأْمُرُهُ بِإِنْفَاذِ خَمْسَةِ آلَافٍ مَعَ رَجُلٍ يَرْضَاهُ لِقِتَالِ الْخَوَارِجِ، فَإِذَا قَضَوْا غَزْوَتَهُمْ سَارُوا إِلَى الرَّيِّ، فَقَاتَلُوا عَدُوَّهُمْ، وَكَانُوا مَسْلَحَةً. فَبَعَثَ بِشْرٌ خَمْسَةَ آلَافٍ، وَعَلَيْهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ، فَكَتَبَ لَهُ عَهْدًا عَلَى الرَّيِّ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ قِتَالِهِ.
وَخَرَجَ خَالِدٌ بِأَهْلِ الْبَصْرَةِ حَتَّى قَدِمَ الْأَهْوَازَ، وَقَدِمَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ فِي أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَجَاءَتِ الْأَزَارِقَةُ حَتَّى دَنَوْا مِنَ الْأَهْوَازِ، فَقَالَ الْمُهَلَّبُ لِخَالِدٍ: إِنِّي أَرَى هَاهُنَا سُفُنًا كَثِيرَةً، فَضُمَّهَا إِلَيْكَ فَإِنَّهُمْ سَيَحْرِقُونَهَا. فَلَمْ يَمْضِ إِلَّا سَاعَةً حَتَّى أَرْسَلُوا إِلَيْهَا فَأَحْرَقُوهَا.
وَجَعَلَ خَالِدٌ الْمُهَلَّبَ عَلَى مَيْمَنَتِهِ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهِ دَاوُدَ بْنَ قَحْذَمٍ مِنْ بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، وَمَرَّ الْمُهَلَّبُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَلَمْ يُخَنْدِقْ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا يَمْنَعُكَ مِنَ الْخَنْدَقِ؟ فَقَالَ: هُمْ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ ضَرْطَةِ الْجَمَلِ. فَقَالَ: لَا يَهُونُوا عَلَيْكَ، فَإِنَّهُمْ سِبَاعُ الْعَرَبِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute