للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمْ يَبْرَحِ الْمُهَلَّبُ حَتَّى خَنْدَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَيْهِ، فَأَقَامُوا نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ زَحَفَ إِلَيْهِمْ بِالنَّاسِ، فَرَأَوْا أَمْرًا هَالَهُمْ مِنْ كَثْرَةِ النَّاسِ، فَكَثُرَتْ عَلَيْهِمُ الْخَيْلُ وَزَحَفَتْ إِلَيْهِمْ، فَانْصَرَفُوا كَأَنَّهُمْ عَلَى حَامِيَةٍ وَهُمْ مُوَلُّونَ، لَا يَرَوْنَ طَاقَةً بِقِتَالِ جَمَاعَةِ النَّاسِ، فَأَرْسَلَ خَالِدٌ دَاوُدَ بْنَ قَحْذَمٍ فِي آثَارِهِمْ، وَانْصَرَفَ خَالِدٌ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَسَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ إِلَى الرَّيِّ، وَأَقَامَ الْمُهَلَّبُ بِالْأَهْوَازِ، وَكَتَبَ خَالِدٌ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بِذَلِكَ.

فَلَمَّا وَصَلَ كِتَابُهُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ كَتَبَ إِلَى أَخِيهِ بِشْرٍ يَأْمُرُهُ أَنْ يَبْعَثَ أَرْبَعَةَ آلَافِ فَارِسٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ مَعَ رَجُلٍ بَصِيرٍ بِالْحَرْبِ إِلَى فَارِسَ فِي طَلَبِ الْأَزَارِقَةِ، وَيَأْمُرُ صَاحِبَهُ بِمُوَافَقَةِ دَاوُدَ بْنِ قَحْذَمٍ إِنِ اجْتَمَعَا. فَبَعَثَ بِشْرٌ عَتَّابَ بْنَ وَرْقَاءَ فِي أَرْبَعَةِ آلَافِ فَارِسٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَسَارُوا حَتَّى لَحِقُوا دَاوُدَ فَاجْتَمَعُوا، ثُمَّ اتَّبَعُوا الْخَوَارِجَ حَتَّى هَلَكَتْ خُيُولُ عَامَّتِهِمْ، وَأَصَابَهُمُ الْجُوعُ وَالْجُهْدُ، وَرَجَعَ عَامَّةُ الْجَيْشَيْنِ مُشَاةً إِلَى الْأَهْوَازِ.

[خُرُوجُ أَبِي فُدَيْكٍ الْخَارِجِيِّ]

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَ خُرُوجُ أَبِي فُدَيْكٍ الْخَارِجِيِّ، وَهُوَ مِنْ بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، فَغَلَبَ عَلَى الْبَحْرَيْنِ، وَقَتَلَ نَجْدَةَ بْنَ عَامِرٍ الْحَنَفِيَّ، فَاجْتَمَعَ عَلَى خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ نُزُولُ قَطَرِيٍّ الْأَهْوَازَ وَأَمْرُ أَبِي فُدَيْكٍ، فَبَعَثَ أَخَاهُ أُمَيَّةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فِي جُنْدٍ كَثِيفٍ إِلَى أَبِي فُدَيْكٍ، فَهَزَمَهُ أَبُو فُدَيْكٍ، وَأَخَذَ جَارِيَةً لَهُ فَاتَّخَذَهَا لِنَفْسِهِ، فَكَتَبَ خَالِدٌ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بِذَلِكَ.

ذِكْرُ قَتْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَازِمٍ

وَلَمَّا قُتِلَ مُصْعَبٌ كَانَ ابْنُ خَازِمٍ يُقَاتِلُ بَحِيرَ بْنَ وَرْقَاءَ الصُّرَيْمِيَّ التَّمِيمِيَّ بِنَيْسَابُورَ، فَكَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى ابْنِ خَازِمٍ يَدْعُوهُ إِلَى الْبَيْعَةِ لَهُ وَيُطْعِمُهُ خُرَاسَانَ سَبْعَ سِنِينَ، وَأَرْسَلَ الْكِتَابَ مَعَ سَوَادَةَ بْنِ أَشْتَمَ النُّمَيْرِيِّ، وَقِيلَ: مَعَ مُكَمِّلٍ الْغَنَوِيِّ. فَقَالَ ابْنُ خَازِمٍ: لَوْلَا أَنْ أُضَرِّبَ بَيْنَ [بَنِي] سُلَيْمٍ وَ [بَنِي] عَامِرٍ لَقَتَلْتُكَ، وَلَكِنْ كُلْ كِتَابَكَ. فَأَكَلَهُ.

وَقِيلَ: بَلْ كَانَ الْكِتَابُ مَعَ سَوَادَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ النُّمَيْرِيِّ، وَقِيلَ: مَعَ مُكَمِّلٍ الْغَنَوِيِّ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ خَازِمٍ: إِنَّمَا بَعَثَكَ أَبُو الذِّبَّانِ لِأَنَّكَ مِنْ غَنِيٍّ، وَقَدْ عَلِمَ أَنِّي لَا أَقْتُلُ رَجُلًا مِنْ قَيْسٍ، وَلَكِنْ كُلْ كِتَابَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>