وَكَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى بُكَيْرِ بْنِ وَسَّاجٍ، وَكَانَ خَلِيفَةَ ابْنِ خَازِمٍ عَلَى مَرْوَ، بِعَهْدِهِ عَلَى خُرَاسَانَ، وَوَعْدِهِ وَمُنَاهُ، فَخَلَعَ بُكَيْرٌ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَدَعَا إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ، فَأَجَابَهُ أَهْلُ مَرْوَ، وَبَلَغَ ابْنَ خَازِمٍ، فَخَافَ أَنْ يَأْتِيَهُ بُكَيْرٌ فَيَجْتَمِعُ عَلَيْهِ أَهْلُ مَرْوَ وَأَهْلُ نَيْسَابُورَ، فَتَرَكَ بَحِيرًا وَأَقْبَلَ إِلَى مَرْوَ وَيَزِيدُ ابْنُهُ بِتِرْمِذَ، فَاتَّبَعَهُ بَحِيرٌ، فَلَحِقَهُ بِقَرْيَةٍ عَلَى ثَمَانِيَةِ فَرَاسِخَ مِنْ مَرْوَ، فَقَاتَلَهُ ابْنُ خَازِمٍ، فَقُتِلَ ابْنُ خَازِمٍ، وَكَانَ الَّذِي قَتَلَهُ وَكِيعُ بْنُ عَمْرٍو الْقُرَيْعِيُّ، أَعْثَرَهُ وَكِيعٌ، وَبَحِيرُ بْنُ وَرْقَاءَ، وَعَمَّارُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَطَعَنُوهُ فَصَرَعُوهُ، وَقَعَدَ وَكِيعٌ عَلَى صَدْرِهِ فَقَتَلَهُ. فَقَالَ بَعْضُ الْوُلَاةِ لِوَكِيعٍ: كَيْفَ قَتَلْتَهُ؟ قَالَ: غَلَبْتُهُ بِفَضْلِ الْقَنَا، فَلَمَّا صُرِعَ قَعَدْتُ عَلَى صَدْرِهِ، فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَقُومَ، قُلْتُ: يَا لِثَارَاتِ دُوَيْلَةَ! وَهُوَ أَخُو وَكِيعٍ لِأُمِّهِ، قُتِلَ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْحُرُوبِ. قَالَ وَكِيعٌ: فَتَنَخَّمَ فِي وَجْهِي وَقَالَ: لَعَنَكَ اللَّهُ! أَتَقْتُلُ كَبْشَ مُضَرَ بِأَخِيكَ وَهُوَ لَا يُسَاوِي كَفًّا مِنْ نَوًى؟ أَوْ قَالَ: مِنْ تُرَابٍ. قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ أَكْثَرَ رِيقًا مِنْهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ عِنْدَ الْمَوْتِ.
وَبَعَثَ بَحِيرٌ سَاعَةَ قَتْلِ ابْنِ خَازِمٍ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ يُخْبِرُهُ بِقَتْلِهِ، وَلَمْ يَبْعَثْ بِالرَّأْسِ، وَبَعَثَ بَحِيرٌ بُكَيْرَ بْنَ وَسَّاجٍ فِي أَهْلِ مَرْوَ، فَوَافَاهُمْ حِينَ قُتِلَ ابْنُ خَازِمٍ، فَأَرَادَ أَخْذَ الرَّأْسِ وَإِنْفَاذَهُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ، فَمَنَعَهُ بَحِيرٌ، فَضَرَبَهُ بُكَيْرٌ بِعَمُودٍ وَحَبَسَهُ، وَسَيَّرَ الرَّأْسَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ يُخْبِرُهُ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَتَلَهُ. فَلَمَّا قَدِمَ الرَّأْسُ دَعَا عَبْدُ الْمَلِكِ بِرَسُولِ بَحِيرٍ وَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، وَمَا فَارَقْتُ الْقَوْمَ حَتَّى قُتِلَ ابْنُ خَازِمٍ.
وَقِيلَ: إِنَّ ابْنَ خَازِمٍ إِنَّمَا قُتِلَ بَعْدَ قَتْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَإِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ أَنْفَذَ إِلَيْهِ رَأْسَ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَدَعَاهُ إِلَى نَفْسِهِ، فَغَسَّلَ الرَّأْسَ وَكَفَّنَهُ وَبَعَثَهُ إِلَى أَهْلِهِ بِالْمَدِينَةِ، وَأَطْعَمَ الرَّسُولَ الْكِتَابَ، وَقَالَ: لَوْلَا أَنَّكَ رَسُولٌ لَقَتَلْتُكَ. وَقِيلَ: بَلْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَقَتَلَهُ، وَحَلَفَ أَنْ لَا يُطِيعَ عَبْدَ الْمَلِكِ أَبَدًا.
(بَحِيرٌ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute