[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ]
٥٧٦ -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَسَبْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ
ذِكْرُ وَفَاةِ سَيْفِ الدِّينِ صَاحِبِ الْمَوْصِلِ وَوِلَايَةِ أَخِيهِ عِزِّ الدِّينِ بَعْدَهُ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، ثَالِثَ صَفَرٍ، تُوُفِّيَ سَيْفُ الدِّينِ غَازِي بْنُ مَوْدُودِ بْنِ زَنْكِي، صَاحِبُ الْمَوْصِلِ وَدِيَارِ الْجَزِيرَةِ، وَكَانَ مَرَضُهُ السُّلَّ، وَطَالَ بِهِ ثُمَّ أَدْرَكَهُ فِي آخِرِهِ سِرْسَامٌ، وَمَاتَ.
وَمِنْ عَجِيبِ مَا يُحْكَى أَنَّ النَّاسَ خَرَجُوا سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ يَسْتَسْقُونَ لِانْقِطَاعِ الْغَيْثِ وَشِدَّةِ الْغَلَاءِ، وَخَرَجَ سَيْفُ الدِّينِ فِي مَوْكِبِهِ، فَثَارَ بِهِ النَّاسُ وَقَصَدُوهُ بِالِاسْتِغَاثَةِ، وَطَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يَأْمُرَ بِالْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ الْخَمْرِ، فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ، فَدَخَلُوا الْبَلَدَ وَقَصَدُوا مَسَاكِنَ الْخَمَّارِينَ، وَخَرَّبُوا أَبْوَابَهُمْ، وَدَخَلُوهَا، وَنَهَبُوهَا، وَأَرَاقُوا مَا بِهَا مِنْ خُمُورٍ، وَكَسَرُوا الظُّرُوفَ، وَعَمِلُوا مَا لَا يَحِلُّ، فَاسْتَغَاثَ أَصْحَابُ الدُّورِ إِلَى نُوَّابِ السُّلْطَانِ، وَخَصُّوا بِالشَّكْوَى رَجُلًا مِنَ الصَّالِحِينَ يُقَالُ لَهُ أَبُو الْفَرَجِ الدَّقَّاقُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ يَدٌ فِي الَّذِي فَعَلَهُ الْعَامَّةُ مِنَ النَّهْبِ، وَمَا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ، إِنَّمَا هُوَ أَرَاقَ الْخُمُورَ، وَنَهَى الْعَامَّةَ عَنِ الَّذِي يَفْعَلُونَهُ، فَلَمْ يَسْمَعُوا مِنْهُ، فَلَمَّا شَكَا الْخَمَّارُونَ مِنْهُ أُحْضِرَ بِالْقَلْعَةِ، وَضُرِبَ عَلَى رَأْسِهِ، فَسَقَطَتْ عِمَامَتُهُ، فَلَمَّا أُطْلِقَ لِيَنْزِلَ مِنَ الْقَلْعَةِ نَزَلَ مَكْشُوفَ الرَّأْسِ، فَأَرَادُوا تَغْطِيَتَهُ بِعِمَامَتِهِ، فَلَمْ يَفْعَلْ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا غَطَّيْتُ رَأْسِي حَتَّى يَنْتَقِمَ اللَّهُ لِي مِمَّنْ ظَلَمَنِي! فَلَمْ يَمْضِ غَيْرُ أَيَّامٍ حَتَّى تُوُفِّيَ الدَّزْدَارُ الَّذِي تَوَلَّى أَذَاهُ، ثُمَّ بِعَقِبِهِ مَرِضَ سَيْفُ الدِّينِ، وَاسْتَمَرَّ إِلَى أَنْ مَاتَ، وَعَمْرُهُ حِينَئِذٍ نَحْوُ ثَلَاثِينَ سَنَةً. وَكَانَتْ وِلَايَتُهُ عَشْرَ سِنِينَ وَثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ، وَكَانَ حَسَنَ الصُّورَةِ، مَلِيحَ الشَّبَابِ، تَامَّ الْقَامَةِ، أَبْيَضَ اللَّوْنِ وَكَانَ عَاقِلًا وَقُورًا، قَلِيلَ الِالْتِفَاتِ إِذَا رَكِبَ وَإِذَا جَلَسَ، عَفِيفًا لَمْ يُذْكَرْ عَنْهُ مَا يُنَافِي الْعِفَّةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute