وَكَانَ غَيُورًا شَدِيدَ الْغَيْرَةِ لَا يَدْخُلُ دُورَهُ غَيْرُ الْخَدَمِ الصِّغَارِ، فَإِذَا كَبِرَ أَحَدُهُمْ مَنْعَهُ، وَكَانَ لَا يُحِبُّ سَفْكَ الدِّمَاءِ، وَلَا أَخْذَ الْأَمْوَالِ عَلَى شُحٍّ فِيهِ وَجُبْنٍ.
وَلَمَّا اشْتَدَّ مَرَضُهُ أَرَادَ أَنْ يَعْهَدَ بِالْمُلْكِ لِابْنِهِ مُعِزِّ الدِّينِ سَنْجَرْشَاهْ، وَكَانَ عُمْرُهُ حِينَئِذٍ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، فَخَافَ عَلَى الدَّوْلَةِ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ صَلَاحَ الدِّينِ يُوسُفَ بْنَ أَيُّوبَ كَانَ قَدْ تَمَكَّنَ بِالشَّامِ، وَقَوِيَ أَمْرُهُ، وَامْتَنَعَ أَخُوهُ عِزُّ الدِّينِ مَسْعُودُ بْنُ مَوْدُودٍ مِنَ الْإِذْعَانِ لِذَلِكَ وَالْإِجَابَةِ إِلَيْهِ، فَأَشَارَ الْأُمَرَاءُ الْأَكَابِرُ وَمُجَاهِدُ الدِّينِ قَايْمَازُ بِأَنْ يَجْعَلَ الْمُلْكَ بَعْدَهُ فِي عِزِّ الدِّينِ أَخِيهِ، لِمَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ كِبَرِ السِّنِّ وَالشَّجَاعَةِ وَالْعَقْلِ وَقُوَّةِ النَّفْسِ، وَأَنْ يُعْطِيَ ابْنَيْهِ بَعْضَ الْبِلَادِ، وَيَكُونُ مَرْجِعُهُمَا إِلَى عِزِّ الدِّينِ عَمِّهِمَا وَالْمُتَوَلِّي لِأَمْرِهِمَا مُجَاهِدُ الدِّينِ قَايْمَازُ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَجَعَلَ الْمُلْكَ فِي أَخِيهِ، وَأَعْطَى جَزِيرَةَ ابْنِ عُمَرَ وَقِلَاعَهَا لِوَلَدِهِ سَنْجَرْشَاهْ وَقَلْعَةَ عَقْرِ الْحُمَيْدِيَّةِ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ نَاصِرِ الدِّينِ كَسُكَ.
فَلَمَّا تُوُفِّيَ سَيْفُ الدِّينِ مَلَكَ بَعْدَهُ الْمَوْصِلَ وَالْبِلَادَ أَخُوهُ عِزُّ الدِّينِ، وَكَانَ الْمُدَبِّرَ لِلدَّوْلَةِ مُجَاهِدُ الدِّينِ، وَهُوَ الْحَاكِمُ فِي الْجَمِيعِ، وَاسْتَقَرَّتِ الْأُمُورُ وَلَمْ يَخْتَلِفِ اثْنَانِ.
ذِكْرُ مَسِيرِ صَلَاحِ الدِّينِ لِحَرْبِ قَلَجِ أَرْسَلَانَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ سَارَ صَلَاحُ الدِّينِ يُوسُفُ بْنُ أَيُّوبَ مِنَ الشَّامِ إِلَى بِلَادِ قَلَجِ أَرْسَلَانَ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ قَلَجِ أَرْسَلَانَ، وَهِيَ مَلَطْيَةَ وَسِيوَاسَ وَمَا بَيْنَهُمَا، وَقُونِيَةَ لِيُحَارِبَهُ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ نُورَ الدِّينِ مُحَمَّدَ بْنَ قَرَا أَرْسَلَانَ بْنِ دَاوُدَ، صَاحِبَ حِصْنِ كَيْفَا وَغَيْرِهِ مِنْ دِيَارِ بَكْرٍ، كَانَ قَدْ تَزَوَّجَ ابْنَةَ قَلَجِ أَرَسْلَانَ الْمَذْكُورِ، وَبَقِيَتْ عِنْدَهُ مُدَّةً، ثُمَّ إِنَّهُ أَحَبَّ مُغَنِّيَةً، فَتَزَوَّجَهَا، وَمَالَ إِلَيْهَا، وَحَكَمَتْ فِي بِلَادِهِ وَخَزَائِنِهِ، وَأَعْرَضَ عَنِ ابْنَةِ قَلَجِ أَرْسَلَانَ، وَتَرَكَهَا نَسْيًا مَنْسِيًّا، فَبَلَغَ أَبَاهَا الْخَبَرُ، فَعَزَمَ عَلَى قَصْدِ نُورِ الدِّينِ وَأَخْذِ بِلَادِهِ، فَأَرْسَلَ نُورُ الدِّينِ إِلَى صَلَاحِ الدِّينِ يَسْتَجِيرُ بِهِ وَيَسْأَلُهُ كَفَّ يَدِ قَلَجِ أَرْسَلَانَ عَنْهُ، فَأَرْسَلَ صَلَاحُ الدِّينِ إِلَى قَلَجِ أَرْسَلَانَ فِي الْمَعْنَى، فَأَعَادَ الْجَوَابَ: إِنَّنِي كُنْتُ قَدْ سَلَّمْتُ إِلَى نُورِ الدِّينِ عِدَّةَ حُصُونٍ مُجَاوِرَةٍ بِلَادَهُ لَمَّا تَزَوَّجَ ابْنَتِي، فَحَيْثُ آلَ الْأَمْرُ إِلَى مَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute