تَعْلَمُهُ، فَأَنَا أُرِيدُ أَنْ يُعِيدَ إِلَيَّ مَا أَخَذَهُ مِنِّي.
وَتَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ بَيْنَهُمَا، فَلَمْ يَسْتَقِرَّ حَالٌ فِيهَا، فَهَادَنَ صَلَاحُ الدِّينِ الْفِرِنْجَ، وَسَارَ فِي عَسَاكِرِهِ، وَكَانَ الْمَلِكُ الصَّالِحُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ نُورِ الدِّينِ مَحْمُودٌ صَاحِبُ حَلَبَ بِهَا، فَتَرَكَهَا ذَاتَ الْيَسَارِ، وَسَارَ عَلَى تَلِّ بَاشِرَ إِلَى رَعْبَانَ، فَأَتَاهُ بِهَا نُورُ الدِّينِ مُحَمَّدٌ وَأَقَامَ عِنْدَهُ، فَلَمَّا سَمِعَ قَلَجُ أَرْسَلَانَ بِقُرْبِهِ مِنْهُ أَرْسَلَ إِلَيْهِ أَكْبَرَ أَمِيرٍ عِنْدَهُ، وَيَقُولُ لَهُ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ فَعَلَ مَعَ ابْنَتِي كَذَا، وَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ بِلَادِهِ، وَتَعْرِيفِهِ مَحَلَّ نَفْسِهِ، فَلَمَّا وَصَلَ الرَّسُولُ، وَاجْتَمَعَ بِصَلَاحِ الدِّينِ وَأَدَّى الرِّسَالَةَ، امْتَعَضَ صَلَاحُ الدِّينِ لِذَلِكَ وَاغْتَاظَ، وَقَالَ لِلرَّسُولِ: قُلْ لِصَاحِبِكَ وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَئِنْ لَمْ يَرْجِعْ لَأَسِيرَنَّ إِلَى مَلَطْيَةَ وَبَيْنِي وَبَيْنَهَا يَوْمَانِ، وَلَا أَنْزِلُ عَنْ فَرَسِي إِلَّا فِي الْبَلَدِ، ثُمَّ أَقْصِدُ جَمِيعَ بِلَادِهِ وَآخُذُهَا مِنْهُ.
فَرَأَى الرَّسُولُ أَمْرًا شَدِيدًا، فَقَامَ مِنْ عِنْدِهِ، وَكَانَ قَدْ رَأَى الْعَسْكَرَ وَمَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الْقُوَّةِ وَالتَّجَمُّلِ، وَكَثْرَةِ السِّلَاحِ وَالدَّوَابِّ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَا يُقَارِبُهُ، فَعَلِمَ أَنَّهُ إِنْ قَصَدَهُمْ أَخَذَ بِلَادَهُمْ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ مِنَ الْغَدِ يَطْلُبُ أَنْ يَجْتَمِعَ بِهِ، فَأَحْضَرَهُ فَقَالَ لَهُ: أُرِيدُ أَنْ أَقُولَ شَيْئًا مِنْ عِنْدِي لَيْسَ رِسَالَةً عَنْ صَاحِبِي، وَأُحِبُّ أَنْ تُنْصِفَنِي، فَقَالَ لَهُ: قُلْ! فَقَالَ: يَا مَوْلَانَا مَا هُوَ قَبِيحٌ بِمِثْلِكَ، وَأَنْتَ مِنْ أَعْظَمِ السَّلَاطِينِ وَأَكْبَرِهِمْ شَأْنًا، أَنْ تَسْمَعَ النَّاسُ عَنْكَ أَنَّكَ صَالَحْتَ الْفِرِنْجَ، وَتَرَكْتَ الْغَزْوَ وَمَصَالِحَ الْمَمْلَكَةِ، وَأَعْرَضْتَ عَنْ كُلِّ مَا فِيهِ صَلَاحٌ لَكَ وَلِرَعِيَّتِكَ وَلِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً، وَجَمَعْتَ الْعَسَاكِرَ مِنْ أَطْرَافِ الْبِلَادِ الْبَعِيدَةِ وَالْقَرِيبَةِ، وَخَسِرْتَ أَنْتَ وَعَسَاكِرُكَ الْأَمْوَالَ الْعَظِيمَةَ لِأَجْلِ قَحْبَةٍ مُغَنِّيَةٍ؟ وَمَا يَكُونُ عُذْرُكَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ عِنْدَ الْخَلِيفَةِ وَمُلُوكِ الْإِسْلَامِ وَالْعَالَمِ كَافَّةً؟ وَاحْسِبْ أَنَّ أَحَدًا مَا يُوَاجِهُكَ بِهَذَا، أَمَا يَعْلَمُونَ أَنَّ الْأَمْرَ هَكَذَا؟ ثُمَّ احْسِبْ أَنَّ قَلَجَ أَرْسَلَانَ مَاتَ، وَهَذِهِ ابْنَتُهُ قَدْ أَرْسَلَتْنِي إِلَيْكَ تَسْتَجِيرُ بِكَ، وَتَسْأَلُكَ أَنْ تُنْصِفَهَا مِنْ زَوْجِهَا، فَإِنْ فَعَلْتَ، فَهُوَ الظَّنُّ بِكَ أَنْ لَا تَرُدَّهَا.
فَقَالَ: وَاللَّهِ الْحَقُّ بِيَدِكَ، وَإِنَّ الْأَمْرَ لَكَمَا تَقُولُ، وَلَكِنَّ هَذَا الرَّجُلَ دَخَلَ عَلَيَّ وَتَمَسَّكَ بِي وَيَقْبُحُ بِي تَرْكُهُ، لَكِنَّكَ أَنْتَ اجْتَمِعْ بِهِ، وَأَصْلِحِ الْحَالَ بَيْنَكُمْ عَلَى مَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute