للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ]

٧٩ -

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ

ذِكْرُ غَزْوِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ رُتْبِيلَ

لَمَّا وَلَّى الْحَجَّاجُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بَكْرَةَ سِجِسْتَانَ، وَذَلِكَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ، مَكَثَ سَنَةً لَمْ يَغْزُ، وَكَانَ رُتْبِيلُ مُصَالِحًا، وَكَانَ يُؤَدِّي الْخَرَاجَ، وَرُبَّمَا امْتَنَعَ مِنْهُ.

فَبَعَثَ الْحَجَّاجُ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ يَأْمُرُهُ بِمُنَاجَزَتِهِ، وَأَنْ لَا يَرْجِعَ حَتَّى يَسْتَبِيحَ بِلَادَهُ، وَيَهْدِمَ قِلَاعَهُ، وَيُقَيِّدَ رِجَالَهُ.

فَسَارَ عُبَيْدُ اللَّهِ فِي أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ، وَكَانَ عَلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ شُرَيْحُ بْنُ هَانِئٍ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ، وَمَضَى عُبَيْدُ اللَّهِ حَتَّى دَخَلَ بِلَادَ رُتْبِيلَ، فَأَصَابَ مِنَ الْغَنَائِمِ مَا شَاءَ، وَهَدَمَ حُصُونًا، وَغَلَبَ عَلَى أَرْضٍ مِنْ أَرَاضِيهِمْ، وَأَصْحَابُ رُتْبِيلَ مِنَ التُّرْكِ يَتْرُكُونَ لَهُمْ أَرْضًا بَعْدَ أَرْضٍ، حَتَّى أَمْعَنُوا فِي بِلَادِهِمْ وَدَنَوْا مِنْ مَدِينَتِهِمْ، وَكَانُوا مِنْهَا عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَرْسَخًا، فَأَخَذُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْعِقَابَ وَالشِّعَابَ، فَسُقِطَ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ، فَظَنُّوا أَنْ قَدْ هَلَكُوا، فَصَالَحَهُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ عَلَى سَبْعِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ يُوَصِّلُهَا إِلَى رُتْبِيلَ لِيُمَكِّنَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْخُرُوجِ مِنْ أَرْضِهِ، فَلَقِيَهُ شُرَيْحٌ فَقَالَ لَهُ: إِنَّكُمْ لَا تُصَالِحُونَ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا حَسَبَهُ السُّلْطَانُ مِنْ أُعْطِيَّاتِكُمْ، وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْعُمُرِ طَوِيلًا، وَقَدْ كُنْتُ أَطْلُبُ الشَّهَادَةَ مُنْذُ زَمَانٍ، وَإِنْ فَاتَتْنِي الْيَوْمَ الشَّهَادَةُ مَا أُدْرِكُهَا حَتَّى أَمُوتَ. ثُمَّ قَالَ شُرَيْحٌ: يَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، تَعَاوَنُوا عَلَى عَدُوِّكُمْ. فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَبِي بَكْرَةَ: إِنَّكَ شَيْخٌ قَدْ خَرِفْتَ. فَقَالَ لَهُ شُرَيْحٌ: إِنَّمَا حَسْبُكَ أَنْ يُقَالَ بُسْتَانُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَحَمَّامُ عُبَيْدِ اللَّهِ. يَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ مَنْ أَرَادَ مِنْكُمُ الشَّهَادَةَ فَإِلَيَّ. فَاتَّبَعَهُ نَاسٌ مِنَ الْمُتَطَوِّعَةِ غَيْرُ كَثِيرٍ، وَفُرْسَانُ النَّاسِ، وَأَهْلُ الْحُفَّاظِ، فَقَاتَلُوا حَتَّى أُصِيبُوا إِلَّا قَلِيلًا، وَجَعَلَ شُرَيْحٌ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>