[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثِمِائَة]
٣٠٠ -
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثِمِائَةٍ
ذِكْرُ عَزْلِ الْخَاقَانِيِّ عَنِ الْوِزَارَةِ، وَوِزَارَةِ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى
فِي هَذِهِ السَّنَةِ ظَهَرَ لِلْمُقْتَدِرِ تَخْلِيطُ الْخَاقَانِيِّ، وَعَجْزُهُ فِي الْوِزَارَةِ، فَأَرَادَ عَزْلَهُ، وَإِعَادَةَ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْفُرَاتِ إِلَى الْوِزَارَةِ، فَمَنَعَهُ مُؤْنِسٌ الْخَادِمُ عَنِ ابْنِ الْفُرَاتِ لِنُفُورِهِ عَنْهُ لِأُمُورٍ، مِنْهَا: إِنْفَاذُ الْجَيْشِ إِلَى فَارِسَ مَعَ غَيْرِهِ، وَإِعَادَتُهُ إِلَى بَغْدَاذَ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، فَقَالَ لِلْمُقْتَدِرِ: مَتَى أَعَدْتَهُ ظَنَّ النَّاسُ أَنَّكَ إِنَّمَا قَبَضْتَ عَلَيْهِ شَرَهًا فِي مَالِهِ، وَالْمَصْلَحَةُ أَنْ تَسْتَدْعِيَ عَلِيَّ بْنَ عِيسَى مِنْ مَكَّةَ وَتَجْعَلَهُ وَزِيرًا، فَهُوَ الْكَافِي الثِّقَةُ، الصَّحِيحُ الْعَمَلِ، الْمَتِينُ الدِّينِ.
فَأَمَرَ الْمُقْتَدِرُ بِإِحْضَارِهِ، فَأَنْفَذَ مَنْ يُحْضِرُهُ، فَوَصَلَ إِلَى بَغْدَاذَ أَوَّلَ سَنَةِ إِحْدَى وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَجَلَسَ فِي الْوِزَارَةِ، وَقُبِضَ عَلَى الْخَاقَانِيِّ (وَسُلِّمَ إِلَيْهِ) ، فَأَحْسَنَ قَبْضَهُ، وَوَسَّعَ عَلَيْهِ، وَتَوَلَّى عَلِيُّ بْنُ عِيسَى، وَلَازَمَ الْعَمَلَ وَالنَّظَرَ فِي الْأُمُورِ، (وَرَدَّ الْمَظَالِمَ، وَأَطْلَقَ) مِنَ الْمُكُوسِ شَيْئًا كَثِيرًا بِمَكَّةَ وَفَارِسَ، وَأَطْلَقَ الْمَوَاخِيرَ وَالْمُفْسِدَاتِ بِدَوْبَقَ، وَأَسْقَطَ زِيَادَاتٍ كَانَ الْخَاقَانِيُّ قَدْ زَادَهَا لِلْجُنْدِ، لِأَنَّهُ عَمِلَ الدَّخْلَ وَالْخَرْجَ، فَرَأَى الْخَرْجَ أَكْثَرَ، فَأَسْقَطَ أُولَئِكَ، وَأَمَرَ بِعِمَارَةِ الْمَسَاجِدِ، وَتَبْيِيضِهَا وَفَرْشِهَا بِالْحُصْرِ، وَإِشْعَالِ الْأَضْوَاءِ فِيهَا، وَأَجْرَى لِلْأَئِمَّةِ، وَالْقُرَّاءِ، وَالْمُؤَذِّنِينَ، أَرْزَاقًا، وَأَمَرَ بِإِصْلَاحِ الْبِيمَارِسْتَانَاتِ، وَعَمَلِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْمَرْضَى مِنَ الْأَدْوِيَةِ، وَقَرَّرَ فِيهَا فُضَلَاءَ الْأَطِبَّاءِ، وَأَنْصَفَ الْمَظْلُومِينَ، وَأَسْقَطَ مَا زِيدَ فِي خَرَاجِ الضِّيَاعِ، وَلَمَّا عُزِلَ الْخَاقَانِيُّ أَكْثَرَ النَّاسُ التَّزْوِيرَ عَلَى خَطِّهِ بِمُسَامَحَاتٍ وَإِدَارَاتٍ، فَنَظَرَ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى فِي تِلْكَ الْخُطُوطِ، فَأَنْكَرَهَا، وَأَرَادَ إِسْقَاطَهَا، فَخَافَ ذَمَّ النَّاسِ، وَرَأَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute