دُونَ الْقَوْمِ، وَيَسْتَأْذِنُونَهُ فِي الْإِقْدَامِ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَأَغَارُوا حَتَّى بَلَغُوا سَابَاطَ، وَتَحَصَّنَ أَهْلُهُ مِنْهُمْ وَاسْتَبَاحُوا الْقُرَى، ثُمَّ مَخَرُوا السَّوَادَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ دِجْلَةَ، لَا يَخَافُونَ كَيْدًا وَلَا يَلْقَوْنَ مَانِعًا، وَرَجَعَتْ مَسَالِحُ الْعَجَمِ إِلَيْهِمْ، وَسَرَّهُمْ أَنْ يَتْرُكُوا مَا وَرَاءَ دِجْلَةَ.
(بُسْرُ بْنُ أَبِي رُهْمٍ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ) .
[ذِكْرُ خَبَرِ الْخَنَافِسِ وَسُوقِ بَغْدَادَ]
ثُمَّ خَلَّفَ الْمُثَنَّى بِالْحِيرَةِ بَشِيرَ بْنَ الْخَصَاصِيَّةِ، وَسَارَ يَمْخُرُ السَّوَادَ، وَأَرْسَلَ إِلَى مَيْسَانَ وَدَسْتُمَيْسَانَ، وَأَذْكَى الْمَسَالِحَ، وَنَزَلَ أُلَّيْسَ، قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى الْأَنْبَارِ، وَهَذِهِ الْغَزْوَةُ تُدْعَى غَزْوَةَ الْأَنْبَارِ الْآخِرَةِ، وَغَزْوَةَ أُلَّيْسَ الْآخِرَةِ.
وَجَاءَ الْمُثَنَّى رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْبَارِيٌّ فَدَلَّهُ عَلَى سُوقِ الْخَنَافِسِ، وَالثَّانِي حِيرِيٌّ دَلَّهُ عَلَى بَغْدَادَ، فَقَالَ الْمُثَنَّى: أَيَّتُهُمَا قَبْلَ صَاحِبَتِهَا؟ فَقَالَا: بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ أَيَّامٍ. قَالَ: أَيُّهُمَا أَعْجَلُ؟ قَالَا: سُوقُ الْخَنَافِسِ يَجْتَمِعُ بِهَا تُجَّارُ مَدَائِنِ كِسْرَى، وَالسَّوَادُ وَرَبِيعَةُ وَقُضَاعَةُ يَخْفِرُونَهُمْ. فَرَكِبَ الْمُثَنَّى وَأَغَارَ عَلَى الْخَنَافِسِ يَوْمَ سُوقِهَا، وَبِهَا خَيْلَانِ مِنْ رَبِيعَةَ وَقُضَاعَةَ، وَعَلَى قُضَاعَةَ رُومَانِسُ بْنُ وَبَرَةَ، وَعَلَى رَبِيعَةَ السَّلِيلُ بْنُ قَيْسٍ وَهُمُ الْخُفَرَاءُ، فَانْتَسَفَ السُّوقَ وَمَا فِيهَا، وَسَلَبَ الْخُفَرَاءَ. ثُمَّ رَجَعَ فَأَتَى الْأَنْبَارَ فَتَحَصَّنَ أَهْلُهَا مِنْهُ، فَلَمَّا عَرَفُوهُ نَزَلُوا إِلَيْهِ وَأَتَوْهُ بِالْأَعْلَافِ وَالزَّادِ، وَأَخَذَ مِنْهُمُ الْأَدِلَّاءَ عَلَى سُوقِ بَغْدَادَ، وَأَظْهَرَ لِدِهْقَانِ الْأَنْبَارِ أَنَّهُ يُرِيدُ الْمَدَائِنَ، وَسَارَ مِنْهَا إِلَى بَغْدَادَ لَيْلًا، وَعَبَرَ إِلَيْهِمْ وَصَبَّحَهُمْ فِي أَسْوَاقِهِمْ، فَوَضَعَ السَّيْفَ فِيهِمْ وَأَخَذَ مَا شَاءَ. وَقَالَ الْمُثَنَّى: لَا تَأْخُذُوا إِلَّا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَالْحُرَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. ثُمَّ عَادَ رَاجِعًا حَتَّى نَزَلَ بِنَهْرِ السَّالِحِينَ بِالْأَنْبَارِ، فَسَمِعَ أَصْحَابَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute