للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعَهُ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ بَكْرٍ، ارْفَعُوا رَايَتَكُمْ رَفَعَكُمُ اللَّهُ، وَلَا يَهُولَنَّكُمْ مَصْرَعِي. وَكَانَ الْمُثَنَّى قَالَ لَهُمْ: إِذَا رَأَيْتُمُونَا أَصَبْنَا فَلَا تَدَعُوا مَا أَنْتُمْ فِيهِ، الْزَمُوا مَصَافَّكُمْ وَأَغْنُوا غَنَاءَ مَنْ يَلِيكُمْ.

وَأَوْجَعَ قَلْبُ الْمُسْلِمِينَ فِي قَلْبِ الْمُشْرِكِينَ، وَقَتَلَ غُلَامٌ نَصْرَانِيٌّ مِنْ تَغْلِبَ مِهْرَانَ وَاسْتَوَى عَلَى فَرَسِهِ، فَجَعَلَ الْمُثَنَّى سَلَبَهُ لِصَاحِبِ خَيْلِهِ، وَكَانَ التَّغْلِبِيُّ قَدْ جَلَبَ خَيْلًا هُوَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ تَغْلِبَ، فَلَمَّا رَأَوُا الْقِتَالَ قَاتَلُوا مَعَ الْعَرَبِ، قَالَ: وَأَفْنَى الْمُثَنَّى قَلْبَ الْمُشْرِكِينَ، وَالْمُجَنَّبَاتُ بَعْضُهَا يُقَاتِلُ بَعْضًا. فَلَمَّا رَأَوْهُ قَدْ أَزَالَ الْقَلْبَ وَأَفْنَى أَهْلَهُ وَثَبَ مُجَنَّبَاتُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مُجَنَّبَاتِ الْمُشْرِكِينَ، وَجَعَلُوا يَرُدُّونَ الْأَعَاجِمَ عَلَى أَدْبَارِهِمْ، وَجَعَلَ الْمُثَنَّى وَالْمُسْلِمُونَ فِي الْقَلْبِ يَدْعُونَ لَهُمْ بِالنَّصْرِ، وَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ مَنْ يَذْمُرُهُمْ وَيَقُولُ لَهُمْ: عَادَاتُكُمْ فِي أَمْثَالِكُمْ، انْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ، حَتَّى هَزَمُوا الْفُرْسَ، وَسَبَقَهُمُ الْمُثَنَّى إِلَى الْجِسْرِ وَأَخَذَ طَرِيقَ الْأَعَاجِمِ، فَافْتَرَقُوا مُصَعِّدِينَ وَمُنْحَدِرِينَ، وَأَخَذَتْهُمْ خُيُولُ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى قَتَلُوهُمْ وَجَعَلُوهُمْ جُثًّا.

فَمَا كَانَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْفُرْسِ وَقْعَةٌ أَبْقَى رِمَّةً مِنْهَا، بَقِيَتْ عِظَامُ الْقَتْلَى دَهْرًا طَوِيلًا، وَكَانُوا يَحْزِرُونَ الْقَتْلَى مِائَةَ أَلْفٍ، وَسُمِّيَ ذَلِكَ الْيَوْمُ الْأَعْشَارَ، أُحْصِيَ مِائَةُ رَجُلٍ قَتَلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ عَشْرَةً. وَكَانَ عُرْوَةُ بْنُ زَيْدِ الْخَيْلِ مِنْ أَصْحَابِ التِّسْعَةِ، وَغَالِبٌ الْكِنَانِيُّ وَعَرْفَجَةُ الْأَزْدِيُّ مِنْ أَصْحَابِ التِّسْعَةِ. وَقُتِلَ الْمُشْرِكُونَ فِيمَا بَيْنَ السَّكُونِ الْمُثَنَّى عَلَى أَخْذِهِ بِالْجِسْرِ وَقَالَ: عَجَزْتُ عَجْزَةً وَقَى اللَّهُ شَرَّهَا بِمُسَابَقَتِي إِيَّاهُمْ إِلَى الْجِسْرِ حَتَّى أَحْرَجْتُهُمْ، فَلَا تَعُودُوا أَيُّهَا النَّاسُ إِلَى مِثْلِهَا، فَإِنَّهَا كَانَتْ زَلَّةً، فَلَا يَنْبَغِي إِحْرَاجُ مَنْ لَا يَقْوَى عَلَى امْتِنَاعٍ.

وَمَاتَ أُنَاسٌ مِنَ الْجَرْحَى، مِنْهُمْ: مَسْعُودٌ أَخُو الْمُثَنَّى، وَخَالِدُ بْنُ هِلَالٍ، فَصَلَّى عَلَيْهِمُ الْمُثَنَّى وَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّهُ لَيُهَوِّنُ وَجْدِي أَنْ صَبَرُوا وَشَهِدُوا الْبُوَيْبَ، وَلَمْ يَنْكِلُوا.

وَكَانَ قَدْ أَصَابَ الْمُسْلِمُونَ غَنَمًا وَدَقِيقًا وَبَقَرًا، فَبَعَثُوا بِهِ إِلَى عِيَالِ مَنْ قَدِمَ مِنَ الْمَدِينَةِ وَهُمْ بِالْقَوَادِسِ. وَأَرْسَلَ الْمُثَنَّى الْخَيْلَ فِي طَلَبِ الْعَجَمِ، فَبَلَغُوا السِّيبَ وَغَنِمُوا مِنَ الْبَقْرِ وَالسَّبْيِ وَسَائِرِ الْغَنَائِمِ شَيْئًا كَثِيرًا، فَقَسَّمَهُ فِيهِمْ، وَنَفَّلَ أَهْلَ الْبِلَادِ، وَأَعْطَى بَجِيلَةَ رُبْعَ الْخُمْسِ، وَأَرْسَلَ الَّذِينَ تَبِعُوا الْمُنْهَزِمِينَ إِلَى الْمُثَنَّى يُعَرِّفُونَهُ سَلَامَتَهُمْ، وَأَنَّهُ لَا مَانِعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>